عام آخر ينطوي من عمر ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، ما يفرض على كل فلسطيني، مهما كان موقعه ان يتوقف طويلا وملياً، من موقع التقييم والتقويم، من انجازات ومن اخفاقات، اين اخطأنا وأين اصبنا، ليس مجرد جردة حساب، بقدر ما يعزز اغناء التجربة وتجاوز الاخفاقات وتعزيز الانجازات.
بحساب دقيق وفقاً لعلوم الرياضيات، فإن ثورتنا المعاصرة، لم تحقق حتى الآن هدفها النهائي الاستراتيجي باقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، كما انها اخفقت في لجم العدوان الاسرائيلي المستمر، ليس هناك من انجازات على الارض، وحتى المناطق التي باتت تسمى مناطق السلطة الفلسطينية، لم نحسن ادارتها واخفقنا في تحويلها من مشروع سلطة الى دولة حتى بمفهوم اتفاق اوسلو، شعار من الثورة الى الدولة، ظل مجرد شعار اضيف الى جملة الشعارات التي ازدحمت في الخطاب الفلسطيني. ويمكن، بل يجب التوقف امام حصاد العام المنصرم ٢٠١٥، في محاولة للوقوف على تقييم اولي لاحداث القضية الفلسطينية التي تشهد تراجعا متزايدا على الصعيدين الاقليمي والدولي، رغم كل ما انجز على هذا الصعيد، وبالامكان البدء من حيث انتهت السنة المنصرمة، وهنا تتمثل احداث الهبات الشعبية، الانتفاضة الثالثة، لكي تتوج الحدث الفلسطيني الابرز عام ٢٠١٥، اختلف الجميع على تسميتها وتقييمها، لكن باستمرارها وارباكها لحكومة نتنياهو، تظل هذه الانتفاضة قادرة على فرض سيطرتها على الملف الفلسطيني - الاسرائيلي لتحل محل سيطرة العملية التفاوضية التي وصلت الى طريق مسدود، ولعل هذا الحراك، ما يشكل استجابة طبيعية، اولاً لفشل العملية التفاوضية، وثانيا كرد على انتقال القضية الفلسطينية الى هامش الاهتمامات الاقليمية والدولية، فهذا الحراك يطرح بديلا، متوجا بالدم، عن فشل العملية التفاوضية، الامر الذي يجب وبالضرورة ان يدفع الى البحث عن مخرج يلبي احتياجات الشعب الفلسطيني، وهذا يعني وقف الاستيطان والتهويد، واستئناف عملية تفاوضية تؤدي وفقاً لبرنامج زمني محدد الى قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس غلى الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧، واذا لم تتوفر مثل هذه العملية، فلا بديل عن الحراك الشعبي الذي بات خارجا عن سيطرة مختلف الاطراف وغير خاضع للابتزاز او الصفقات غير المنصفة.
كما ان هذا الحراك، يعيد القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث، على الرغم من ازدحام هذه المواجهة بقضايا، باتت اكثر اهمية على الاجندة الاقليمية والدولية، تبعات الربيع العربي ونتائجه على ملفات الارهاب واللاجئين، والتحالفات الاقليمية والدولية التي ازدحمت بها المنطقة، واهم ما في هذا الحراك في هذا السياق، اعادة المثلث الى قاعدته، باعتبار ان جوهر هذه الاحداث يعود الى عدم نجاح المجتمع الدولي بفرض قراراته على الدولة العبرية من اجل التوصل الى حل عادل للقضية الفلسطينية، الا ان ذلك لن يتوفر الا في حال بذلت جهود سياسية ودبلوماسية قوية ومؤثرة من الجانب الفلسطيني والعربي، من اجل استثمار هذا الحراك لاعادة القضية الفلسطينية الى مكانتها الجوهرية على الصعيدين الاقليمي والدولي.
ثاني محطات التأثير في العام المنصرم، تتعلق بزيادة الدعم الدولي، الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية بالتوازي مع مزيد من الحصار السياسي والاقتصادي للدولة العبرية، فقد نجحت الدبلوماسية الفلسطينية، الرسمية والشعبية في دفع برلمانات اوروبية على وجه الخصوص للتصويت بالاعتراف بدولة فلسطين، كما ان اعترافات رسمية قد تزايدت بشكل رسمي، في وقت تزايدت فيه التحركات الشعبية الدولية لحصار الدولة العبرية، خاصة في سياق المقاطعة للمنتجات المصنعة في المستوطنات الاسرائيلية، اضافة الى حصار ثقافي يتمثل في تزايد عدد الجامعات والمؤسسات البحثية الدولية التي اوقفت تعاملها مع نطيراتها في اسرائيل. ولا شك ان انضمام فلسطين الى الجنائية الدولية هذا العام، من شأنه ان يوفر للقضاء الدولي فرصة محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين الذين اوغلوا بالدم الفلسطيني، ويعتبر هذا الانضمام احد اهم المحطات الرئيسية التي توجب التوقف عندها ونحن نحاول ان نستعيد احداث العام المنصرم. رغم كل ذلك، فإننا نرى ان المحطة الابرز على صعيد الاحداث الفلسطينية عام ٢٠١٥، هو ما لم يتم انجازه، ونقصد اعادة الوحدة الى الساحة السياسية والحزبية في مناطق السلطة الوطنية، والمتمثل بانهاء الانقسام. لقد فشلنا كفلسطينيين في ترجمة الاتفاقات والمبادرات المتعلقة بانهاء الانقسام، الى واقع على الارض، وتم اجهاض هذه المحاولات، رغم تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لم تتمكن ولم تتح لها اية فرصة لكي تكون حاكمة تفرض سلطتها على قطاع غزة تحديداً، وهذا ما ادى في الغالب الى فشل تجديد مؤسساتنا الشرعية من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية. عام ٢٠١٥، هو عام التحدي الفلسطيني وقد يوفر فرصة لنجاح هذا التحدي في العام ٢٠١٦!!
[email protected]
أضف تعليق