يحل في يوم الجمعة من هذا الأسبوع، الـ 18 من كانون الأول، اليوم العالمي للغة العربية، الذي يتم إحياؤه احتفاء بالقرار رقم 3190 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي اتخذ في هذا التاريخ ويقضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
في هذا اليوم نرى بأن لغتنا الثرية والعميقة التي نباهي بها الأمم، باتت تواجه تحديات كثيرة على أصعدة مختلفة، وهي جديرة بالدراسة والبحث المستفيضين، وقد اخترت في هذه المقالة، تناول موضوع مكانتها في بلادنا وتأثير ذلك على مكانتنا كأقلية قومية في اسرائيل.
إسرائيل، تعامل اللغة العربية على أنها لغة العدو، وبالتالي فإنها تعمل على الحط من مكانتها وتشويهها، وهذا ليس صدفة، فالحركة الصهيونية التي أدركت أن دب الحياة باللغة العبرية هو أحد أهم الشروط لبناء "الشعب اليهودي"، تدرك جيدا ما الدور الذي قد تؤديه اللغة –أي لغة- ببلورة شعب –أي شعب- أو تفتيته.
إن هذا الصراع على اللغة، ليس محصورا بما يدور هنا والآن في بلادنا، فاللغة ومكانتها، كانت وما زالت معركة الشعوب التواقة إلى حفظ مكان لها تحت الشمس، ومن هنا، ندرك من أين، مثلا، استمد اليابانيون إصرارهم بعد الحرب العالمية الثانية ورغم هزيمتهم النكراء، على رفض أي شروط تحد من تطور ثقافتهم ولغتهم، مقابل التسليم بشروط تعتبر مهينة على المستوى العسكري والاقتصادي، مثلا.
• استهداف العربية ما بين التغييب والتشويه!
إن تمكننا اليوم -كمواطنين فلسطينيين في إسرائيل- من التحدث بلغة عربية طلقة وسليمة، هو أمر لا يستهان به، فبعيد النكبة وفي ظل الحكم العسكري الترهيبي، تعرضت الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل لمحاولات ممنهجة ومتكررة لتشويه لغتها وطمس ملامحها القومية وانتماءها الوطني، وما كان آباؤنا ليورثونا لغتنا لولا إدراكهم بالفطرة الصادقة أنها مورد لا يقل أهمية عن أي من موارد البقاء، وهو ما جعل درويش يقارب ما بين اللغة والأرض التي صادرتها الحركة الصهيوينة بنهم، فقال: "إن الأرض تورث كاللغة".
ورغم أن تمسكنا باللغة العربية كلغة أم بات أمرا محسوما، إلا أن المؤسسة الإسرائيلية تصر على استهدافها، ولعل أسوأ ما في الأمر، أن دولة الشعب الذي لاقى الأمرين من التمييز والملاحقة في أوروبا القرن المنصرم، هي التي تصر على تكرار هذه الجرائم بحقنا.
للاستهداف المؤسساتي للغة العربية أوجه عدة: فغالبا ما تكون العربية مغيبة تماما عن الحيز العام، وإذا ما كانت حاضرة فإن حضورها يكون على الأغلب خجولا ومعيبا بسبب كثرة الأخطاء اللغوية، وفي بعض الأحيان قد نجدها حاضرة وسليمة لغويا لكنها تبث رسائل خطرة ومرفوضة على المواطنين العرب، كاللافتات التي تحمل أسماء تهدف إلى تهويد المكان أو مستندات تحمل مصطلحات تهدف إلى تذويت الرواية الصهيونية، ولعل ما كشف مؤخرا عن كتاب المدنيات الجديد للمدارس العربية والذي يتحدث عن "هجرة العرب إلى بلاد اسرائيل في القرن العشرين" لدليل على ذلك.
إذن، علينا أن نهتم بحضور اللغة العربية وبالذات في الحيز العام، لكن علينا الحذر، من الاكتفاء بمجرد الحضور الكمي للأحرف العربية والاهتمام بحضور لغتنا كما وكيفا.
• نحو بناء حيز عام مشترك!
نحن في "سيكوي" نؤمن بأن من واجب الدولة استخدام اللغة العربية ليس فقط كأداة مساعدة ليقضي المواطنون العرب حاجياتهم بلغتهم، إنما نؤمن بأن ضمان متسع لائق للغة العربية في الحيز العام يبث رسالة إلى المواطنين العرب واليهود على حد سواء، إذ يقول للمواطن اليهودي أنك هنا لست وحدك وأن في البلاد مواطنون عرب ولهم مكانهم ومكانتهم، وأما الرسالة للمواطنين العرب فهي أنكم أصحاب حق في هذه البلاد، ووجودكم مرحب به.
إن وجود اللغة العربية الى جانب العبرية وبث هاتين الرسالتين، شرط أساس لتحقيق هدف نراه مصلحة للمواطنين كلهم دون استثناء وهو بناء حيز عام مشترك لا يستثنى فيه المواطنون العرب ولا يتم اقصاؤهم.
إننا في سيكوي، ومن خلال مشروع الحيز العام المشترك، نبادر إلى عدد من الأنشطة الهامة ومنها عقد مؤتمرات أكاديمية تعقد لأول مرة باللغة العربية في الجامعة الاسرائيلية.
المؤتمر الأخير، عقد في جمعة تل أبيب بالتعاون ما بيننا وبين مركز دراسات ومعهد فان لير، وتناول هذا المؤتمر مكانة اللغة العربية لدى اليهود الشرقيين، الذين تعرضوا ضمن سياسة "الصهر القومي" التي اتبعتها المؤسسات الاسرائيلية إلى سلخهم عن جذورهم العربية في عملية لا أبالغ ان قلت فيها أنها اجرامية، وهذا يجعلنا نقول أن اللغة العربية ليست لغة العرب الفلسطينيين وحدهم فحسب انما هي ايضا لغة اليهود الشرقيين وبالتالي فإنه لا يمكن مواصلة التعامل مع اللغة الأصلية لنصف مواطني الدولة على أنها لغة معادية، ولا بد من اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان المكانة التي تليق بها كلغة رسمية في البلاد وذات امتداد عضوي للمكان.
- الكاتبة هي المديرة العامة المشاركة لـ "سيكوي- الجمعية العربية اليهودية لدعم المساواة المدنية في البلاد".
[email protected]
أضف تعليق