مما لا شك فيه أنه اَن الأوان لمناقشة خطة عمل وطنية شاملة تساهم في تحصيل حقوقنا المدنية والقومية والوطنية وتضمن تغيير الخطاب العنصري اتجاه مجتمعنا وشعبنا. ولكننا قد نتفق وربما نختلف على أن خطة العمل يجب أن لا تقتصر على المجتمع العربي وعليها أن تنطلق من مجتمعنا وتخاطب المواطن اليهودي لتحرره من نفسية الاستعلاء القومي والطبقي وتجنده ضد الاحتلال والتمييز وغلاء المعيشة وأسعار المنازل وجميع مناحي الحياة.
وعلى ما يبدو فان المجتمع الدولي يتابع قضيتنا مؤخرًا بشكل لم يسبق له مثيل، وعلينا مخاطبة الرأي العام وحكومات العالم لتناصر قضيتنا وتطرحها في كافة حواراتها المحلية والاقليمية والاقتصادية والسياسية. ولكن رأيي هذا لن ينهي، وليس هدفه أن ينهي، السجال حول زيارة السيد أيمن عودة الأخيرة للولايات المتحدة.
من المفهوم ضمنًا أن كل السياسيين العرب، بغض النظر عن مواقعهم كأعضاء كنيست أو كرؤساء سلطات محلية أو غيره من المواقع، يتوقون إلى تحسن الظروف المعيشية للجماهير العربية بالداخل، ولكن، السؤال المطروح هنا: هل أفعالهم وأقوالهم وخطواتهم تتماشى مع أمنياتهم؟ بمقالي هذا أريد تسليط الضوء على الجانب الاقتصادي من خطة العمل الشاملة المطلوبة وأبحث عن دور قائد المسيرة بتسيير الأمور اتجاه برنامج يرتقي إلى تطلعات شعبنا وحقه في الحياة الكريمة ورغد العيش.
كتب السيد أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ 10/9/2015:
" نحمل هموم الناس اليومية إلى جانب القضايا الوطنية الكبرى.
بادرنا للقاء بين وزير الاقتصاد أرية درعي ووزيرة المساواة الاجتماعية غيلا غمليئل مع رؤساء السلطات المحلية، وهذه أوّل مرة يجب به وزير في المقر الرسمي للجنة الرؤساء العرب، وأصرينا على مشاركة إدارة المدارس الأهلية.
نواصل مسيرة بدأها الأولون، لن تتحقق المطالب دفعة واحدة، ولكننا نعد بكل إخلاص أن لن نكلّ ولن نملّ حتى تحقيق الانجازات تراكميًا".
النشر أعلاه يلخّص، برأيي المتواضع، أداء السيّد عودة بالقضايا الاقتصادية، ويمكنني أن أشير إلى ثلاثة أخطاء قام بها عودة ستمنعنا من رؤية تغييرات اقتصادية جذرية بفترته:
التعويل على التطوير الاقتصادي كجزء من الحقوق المدنية دون الحد الأدنى المطلوب من الالمام بالمصطلحات والموضوعات الاقتصادية، والحديث عن "برنامج العقد" دونما وضع أساسته حتى، يعتبر خطئًا استراتيجيًا. بمعنى أن يتبنى القائد مشروع، أقل ما يقال بحقه أنه مشروع وطني ضخم، دون أن تكون لهذا المشروع ملامح أساسية وفكرة أولية توعز إلى المهنيين لبلورتها لبرنامج عمل متكامل، هو بمثابة ذر الرمال بعيون الشعب.
الخطأ التالي هو عدم دمج القائد نفسه بمواقع اتخاذ القرارات الاقتصادية (والحديث هنا عن الأماكن التي يستطيع أن يتواجد بها لو أراد). وأتساءل: كيف، لمن خرط على علمه التطوير الاقتصادي، أن لا يكون عضو بلجنة المالية التي تعتبر القناة التي تمر عبرها كل أموال الدولة وبها تتخذ القرارات الاقتصادية الحاسمة؟
"الغلطة الكبيرة" للسيّد عودة هي إعطاء مقود إدارة "الصراع" للسلطات المحلية التي كل ما تعرفه هو هبات الموازنة، والتي بدورها أبعد ما تكون عن التعريف "رافعة اقتصادية"، وأيضًا تجعل من وضع السلطات المحلية العربية المتأزّم مزريًا إلى ما شاء الله...
تغيبت الاحزاب السياسية، وعلى رأس الهرم يقف السيد عودة، عن تنظيم الجماهير العربية في المعركة على الحقوق الاقتصادية. وأصبحت المعركة معركة السلطات المحلية العربية بدعم من أعضاء الكنيست على الرغم من أهمية الدور الموجه والقيادي للأحزاب التي تمثل الجماهير العربية. وغياب، وفي بعض الحالات التغييب المقصود، للقائد وللأحزاب والتي من المفروض أن تستند إلى قيمها ومشروعها الفكري (وأضيف لكل هذا غياب لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية والتي تعاني هي الاخرى من أزمة رؤيوية وبنيوية).
تتطلب المرحلة الحالية من القائد بلورة خطة اقتصادية حقيقية وشاملة (بالتعاون مع أعضاء الكنيست والسلطات المحلية والمجتمع المدني ومهنيين)، وعليه أن يعي المواجهة المتوقعة مع مؤسسات الدولة والسياسة الحكومية الغير منصفة ومخططاتها للتطوير الاقتصادي المحدود للمجتمع العربي. هذه الخطة بحاجة لقائد يعرف جيدًا كبر الساعة وحجم المسؤولية، ومن خلال معرفتي الشخصية والمهنية مع السيّد عودة، هو كذلك، ولكن عليه تتدارك أخطاؤه واصطلاح إسقاطاتها.
[email protected]
أضف تعليق