درج اهل السّياسة والاعلام على مصطلح الدُبّ الرّوسي ، تعبيراً عن تلك الدَّولة العملاقة في مساحتها وقدراتها ، والتي تُجاور القطب الشمالي ، وتحتل مساحات شاسعة من الصحراء الجليدية المأهولة بالدببة القطبيّة الضخمة ، المتَّصفة بالبلادة والشراسة ، ولا يصمد في وجهها شيء ، ومن صفات الدُّبّ ايضاً انَّه بطيء الحركة ، يصبر على فترات متباعدة بين وجبات طعامه ، فاذا حاز على فريسته ، لم يرحمها ، ولا يترك لغيره منها شيء. هذا تماماً هو شأن روسيا التي تتربَّع على مساحة تتجاوز ال 17 مليون كم ، أيّ تقريباً مساحة امريكا والصين مجتمعتين ، وقد بلغت في عهد الاتحاد السوفيتي مساحةً تقدر بسُبع مساحة الكره الارضية. عدد سكانها يعادل اقل من نصف سكان الولايات المتحدة ، ولكن اقتصادها يشكِّل عشر اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية، وتحتل المرتبة العاشرة في الاقتصاد العالمي.
خرجت روسيا من سباق القطبين العظيمين ومن الحرب الباردة مع القطب الغربي (امريكا واوروبا) ، على اثر " ثورة البروسترويكا " التي استحدثها الرئيس غورباتشوف . وخرجت تجرجر اذيال الهزيمة من افغانستان ، وتفكّك الاتحاد السوفياتي ، وحلف وارسو، واستقلَّت دول شرقيَّة عديدة وانضمَّ بعضها الى الاتحاد الاوروبي ، وسط جدار برلين. ولم تعد روسيا دولة عظمى بمعنى الكلمة، بل قوَّة اقليمية كبرى. وظلَّ الامر كذلك حتى جاء الرئيس الحالي بوتين ، بطموحات العظمة والاستعلاء. جاء يعيد امجاد روسيا القيصرية، ومكانتها كقطب دوليّ لا يمكن تجاوزه. فأخضع الشيشان ، واحتلَّ اجزاء من جورجيا، واستعاد شبه جزيرة القِرم من اوكرانيا.... وها هو اليوم يدخل الى أتون المعركة في سوريا ، وبذلك فهو يطوِّق تركيا من كلِّ الجهات.....هذا فضلاً عن علاقات باليونان وقبرص على حساب توتُّر علاقاتهما بتركيا.
الى اين سيبلغ النِّزاع الرّوسي التركي؟
دخل سلاح الجو الروسي الى سوريا تحت ذريعة مكافحة " ارهاب داعش" . ولكنَّه في الحقيقة دخل حليفاً لنظام بشَّار الاسد ، يسعى لحماية المناطق التي يسيطر عليها النظام ، ويحاول توسيعها لضمان دولة علويَّة حليفة له ، في دمشق واللاذقيَّة وطرطوس وما بينهما. ولذلك فهو يقاتل ضدَّ التنظيمات السّوريَّة المصنَّفة كمعتدلة ومشروعة، وليست " داعش " بينها.
استهدف الطيران الروسي مناطق التركمان في شمال غرب سوريا ، وهم اقليَّة سوريَّة من اصول تركية، لم يصل " تنظيم الدَّولة الاسلامية " اليهم. مما يثير حفيظة الأتراك، ولربَّما كان ذلك سبباً في تحيُّنهم فرصةً للنيل من موسكو، فكان اسقاط الطائرة الروسيَّة قبل عشرة ايام. ولكن بالمقابل ، فإنّ روسيا التي تسعى لتحجيم الدّور التركي في المنطقة اعتبرت الحادثة ذريعة للتصعيد ضدَّها وتسعى للاستفادة منها قدر الامكان، وترفض كلّ دعاوى التسويه والتهدئة.
لا شكَّ ان البعد الشخصي للرئيسين التركي والرّوسي ، صاحبي الكاريزما الشخصيَّة، يلعب دوراً كبيراً في النِّزاع ، إذ يصعب على أيٍّ منهما التنازل ، وهما بحاجة الى طرفٍ ثالث يعينهما على النّزول عن الشجرة . ولكن بالمقابل ، فإنّ العلاقات التِّجارية التي تطوَّرت كثيراً في الآونة الاخيرة بين البلدين ، تجعل الجميع يفكِّر في عدم حرق الاوراق كلّها بسبب حادثة عارضة مهما كان حجمها.
حالياً ، الدُّبّ الهائج ، وطموحاته كبيرة ، واطماعه اكبر.يراقب انكماش امريكا في عهد اوباما ، يبحث عن تعزيز مكانه ومكانته في " الغابة " الشرق اوسطية المتفكِّكة . يغذِّي كل ذلك ثارات قديمة ، وعداءٌ مستأصل للإسلام والمسلمين...... فمَن سيوقف هذا الدُّبّ الهائج ؟.
لا ينبغي للعرب التخلِّي عن تركيا
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ناشد منظمة التعاون الاسلامي ، والدُّول العربية والإسلامية الوقوف الى جانب تركيا ، في صراع الإرادات مع الدُّبّ الرّوسي. واذا كانت روسيا تهدِّد المصالح الاقتصادية التُّركيَّة ، من خلال مقاطعة البضائع التُّركيَّة ، والتوجُّه الى خصوم تركيا كإسرائيل واليونان . فعلى العرب ان يعزِّزوا التعاون الاقتصادي مع تركيا على حساب روسيا.امَّا "الخائب" السّيسي ، فقد عرض على روسيا عرضاً - لم تأبه به- ليحلّ مكان تركيا في توفير المحصولات الزِّراعية التي كانت تستوردها روسيا من تركيا....فلم تنفعه خيانته ولا تملّقه . وليس للعرب خيار الا الوقوف بشهامةٍ واباء الى جانب تركيا ، سياسيَّاً ،ودبلوماسيَّاً ، وتجاريَّاً ..... والشَّعب الفلسطيني ينبغي ان يكون بكلِّيّته الى جانب الموقف التُّركي الشَّهم . فهم الذين آووا السوريين ، وفتحوا لهم الحدود ، والمقدَّرات والامكانات . وهم الذين يحتضنون مؤتمرات المعارضة السّوريَّة والمصريَّة ، وعلماء المسلمين ، والاقليَّات المسلمة عبر العالم ، ولهم اليد الطولى في خدمة القضية الفلسطينية ومجابهة المشروع الصهيوني الاحتلالي.
والهس غالب على أمره
[email protected]
أضف تعليق