قبل عشرون سنة، كان لموسم وشجرة الزيتون قيمة لا تُقدّر، وتُلاقي عناية واهتمام منقطع النظير. وموسم الزيتون كالعيد وشبيه بالتظاهرة الاجتماعيّة، يشترك فيها كل طبقات المجتمع، حيث جمعت ووحّدت أفراد العائلة ليجتمعوا في أحضان الطبيعة والبساتين، عملوا يدًا بيد من ساعات الفجر وحتى التصاق الشمس الهزيلة بالبحر بكل إرادة وقناعة، أمّا اليوم وللأسف غدا موسم وشجرة الزيتون نقمة لا نعمة رغم أنها شجرة عريقة ومباركة وذُكرت في الأديان السماوية، وقيمتها الغذائية وفوائدها في علاج أكثر من سبعين مرض.
أمّا الجيل الصاعد، فغدت شجرة الزيتون عدوّته الأولى، ويتذمر من اقتراب الموسم، ناهيك أنه لا يولي هذه الشّجرة أي عناية، ويشهد الموسم العديد من الخلافات الحادة بين أفراد الأسرة أدّت إلى تفكيكها .
جاءت هذه المقدمة المطولة، عامدًا متعمدًا المقارنة بين الماضي والحاضر، لترجعني ذاكرتي إلى المرحوم الشّاب زيدان سلامة، والذي توفي قبل عشرين عامًا أمام منزله في حي مرشان، إثر نوبة قلبية مفاجئة أدّت إلى توقف قلبه الرحب عن النبض في موسم، وتحت شجرة الزيتون التي أحبها واعتنى بها، حيث كان زيتها يجري في عروقه ويجلس تحت ظلها يتمتع بنسيمها العليل، يتجادل وزملاءه حول أحداث المجتمع والساعة، لا تزال هذه الشجرة الغضّة تذكره وتتمايل فروعها لتعبر عن أسفها ولوعتها وذكراهُ في القلب والذاكرة أبد الدّهر.
وهذه الأيام، هداني الفنّان المتألق سعيد سلامة، شقيق المرحوم الكتاب الذي أصدرته لجنة إحياء ذكراه بعنوان: " زيدان الفنان المحامي والإنسان" ،الذي تطرّق معارفه وزملاءه وشخصيات رسمية وشعبية من كافّة قطاعات المجتمع في كلماتهم الدافئة عن حياته الحافلة، التي كافح فيها من أجل غدٍ مشرقٍ ومشرف دماثة أخلاقه العالية ومعشره.
كتب في كلمة الكتاب الصّحفي وليد ياسين نيابة عن لجنة إحياء ذكراه :
".....ستظل شجرة الزيتون المنتصبة على قارعة الطريق، إلى الشرق من خلوة الطائفة الدرزية في الجهة الغربية من مرشان تذكر أنها في السادس من آب 1996، كانت آخر من سمع صوت الفارس زيدان سلامة لحظة ترجله عن عرشه قسراً...
ستظل شجرة الزيتون المباركة، المتجذرة شرايينها في الأرض تقسم أنها استنشقت آخر أنفاس زيدان وآخر من شمّ عطر الوردة قبل ذبولها...
وستظل شجرة الزيتون تتنفس روح زيدان، تتقمصها وتعلن للرائح والغادي: هنا على باب الحارة، على ناصية الطريق التي أحب التمشي عليها، سقط الفارس مودعًا أمانته لأكثر الأشجار حبا صائحًا: خذي أيتها الشجرة قميصي وارفعي رايتي، صوني العهد الذي بيننا واحفظي أمانتي وطريقي، واشهدي أمام النّاس وأمام ربي أنني ما أحببت أكثر منك، وما وجدت ملاذًا لي في لحظة موتي إلاّ أنتِ....
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
عزيزي المرحوم زيدان عرفتك كالصخرة الشماء الصامدة امام الرياح العاتية ولكن انياب المنون كانت اقوى منك فخطفتك على حين غفلة وقبل ان تبدا مشوار المحاماة في مكتبك اليتيم ولكن هذا القضاء والقدر يخطف الرياحين والازهار قبل الميعاد ويبقى عطرهم في الأجواء لكي يذكرنا بهم فذكراك خالدة ورحمات الله عليك يا غالي