اصحاب وجهات النظر المتباينة في قراءة الحراك الشعبي منذ ما يزيد على الشهر، جميعهم ينطلقون من خلفية إيجابية، عنوانها، البحث عن الكيفية، التي يمكن من خلالها النهوض بالذات الفلسطينية، وتحقيق النتائج الوطنية المرجوة، حتى لا تذهب جهود الكفاح الشعبي هباءا منثورا او ترتد عكسيا على المصالح الوطنية العليا، كما حصل في الانتفاضات السابقة.
النقاش الموضوعي لوجهات النظر المختلفة، ينطلق من التصويب، ولفت النظر للنواقص او للحد من المغالاة في جلد الذات، وتغييب العوامل المقررة والحاسمة في الحراك الشعبي. وما ينطبق على الندوة، التي اقامها منتدى المجلس الاستشاري لحركة فتح بالامس للاخ نظير مجلي في مقره، ينطبق على كل الورش والندوات المعالجة لموضوع الهبة الشعبية.
نماذج لبعض الاجتهادات، إطلاق احد الاخوة (عيسى) على الهبة، إسم "ثورة الوعي". معتبرا، ان الفكر السائد في معالجة التطورات الجارية، بمثابة "فكر سلفي" غير ديناميكي، المقصود هنا البعد الدنيوي وليس الديني. مستشهدا بالمفكر محمد عابد الجابري لتعزيز مقولته. التي سعت للتنبيه من مخاطر عدم الاستثمار الامثل للهبة، خشية من إرتداد النتائج عكسيا على المصالح الوطنية. كما حصل في الانتفاضة الماضية. مع ذلك، حمل التشخيص بعدا صحيحا وعلميا. لان الحراك الشعبي الجاري منذ ما يزيد على الشهر، كما كل حراك، يحمل سمة التثوير للحالة الجماهيرية، أضف إلى انه نَشط العملية السياسية برمتها، وخلق الشرط الموضوعي لبعث الافكار السياسية الجديدة والمتجددة. وبالتالي أحدث ثورة في الوعي. ولكن هذا الوصف، لا ينطبق على تشخيص الحراك، لان ما يحصل من تثوير لعملية التلاقح الفكري /السياسي، ليس سوى جانب من الصورة الاعم، التي تطال الابعاد الاخرى الجماهيرية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وعلى صعيد إرتداد النتائج سلبا او إيجابا على المصالح الوطنية، فهو مرهون بإدارة اي هبة او انتفاضة او ثورة او حتى ازمة ما، فإن القراءة العلمية، تشير، إلى اكثر من بُعد للحصاد، فالادارة الجيدة والحكيمة لاي فعل شعبي اي كان توصيفه، يحقق نتائج إيجابية او في الحالة الفلسطينية يقلل من حجم الخسائر. لان الفعل الفلسطيني محكوم بموازين القوى القائمة على الارض؛ أضف لذلك، إذا إفترض المرء، بان الفعل (الهبة او الحراك) ذات طابع إستراتيجي، بمعنى يهدف لبلوغ اهداف الحرية والاستقلال والعودة، لا يمكنه تحقيق مجمل الاهداف، إن لم يكن مسنودا بالابعاد العربية والدولية. ليس هذا فحسب، انما قد يرتد آنيا في هذه اللحظة السياسية او اي لحظة أخرى سلبا على المصالح الوطنية العليا حتى لو كان العامل الوطني موحدا، لان دولة الاحتلال الاسرائيلية ومكوناتها السياسية ليست جاهزة للسلام. وغير مستعدة لدفع الحد الادنى منه. كون العالم والقوى المقررة فيه، مازالت منحازة لصالحها. الامر الذي يمنح حكومة إسرائيل ألإيغال أكثر فأكثر في خيارها الاستعماري وإرهابها المنفلت من عقاله ضد الفلسطينيين. وبالتالي الانقضاض على المنجزات والاراضي الفلسطينية.
اما ما جاء على لسان احد الاخوة (نبيل) الذي اشار إلى، ان تثقيفنا لوضع القدس، هو، الذي جعلها قضية دينية. فإنه جانب الصواب. لان من يعود للممارسات الاسرائيلية منذ إحتلالها لاراضي دولة فلسطين في الرابع من حزيران 1967، وهي تتخذ القرار تلو الاخر، وتنفذ السياسات التهويدية والتقسيمية زمانيا ومكانيا للقدس، وتعمل على تدمير المسجد الاقصى لإقامة الهيكل على أنقاضه. لذا الموضوعية تحتم، ونحن نسلط الضوء على أخطائنا ومثالبنا، ان نكون موضوعيين في تشخيص هذه المسألة او تلك. حتى لا نجلد انفسنا اكثر مما يجب.
الابداع الفكري والسياسي حاجة ماسة للقيادة والنخب السياسية، اولا لتطوير الرؤى السياسية؛ وللموائمة بين الفكر السياسي والواقع؛ ثالثا للمحافظة على التناغم الدائم مع نبض الشارع دون تطير؛ رابعا لحماية الشعب والمشروع الوطني من النكسات العضوية. فهل نميز بين الابداع وجلد الذات؟
[email protected]
أضف تعليق