بدأ خلال الأسبوع الحاليّ أكثر من 300 ألف طالب سنتهم الدراسيّة الأكاديميّة في إسرائيل. نحو 15% من ضمنهم هم طلبة عرب من مواطني إسرائيل. تشكّل سنوات الدراسة الجامعيّة بالنسبة لغالبيّة الطلبة مرحلة حاسمة في بلْورة وتشكيل هُويّتهم المدنيّة والسياسيّة. في هذه السنوات يتعلّمون، يكتسبون المهارات، يبلْورون هُويّتهم المدنيّة، والأهمّ من هذا كلّه أنّهم يبلْورون مستقبلهم. يُشكّل الحرم الجامعيّ بالنسبة للطلبة مكانًا للتعبير عن طموحاتهم وإسهاماتهم للمجتمع عامّة وللمجتمع المحلّيّ الذي ينتمون إليه.

يُعيدني افتتاح السنة الدراسيّة الحاليّة إلى الوراء عدّة سنوات، حين كنت طالبة جامعيّة عربيّة، حيث بدأت يومي الأوّل في حياتي الأكاديميّة بانفعال بالغ. لم يمضِ الكثير من الوقت منذ دخولي الحرم الجامعيّ حتّى طغت مشاعر البلبلة على مشاعر الانفعال. كنت قد أعددت نفسي كثيرًا لهذا اليوم، لكن يبدو أنّ الجامعة لم تستعدّ لقدومي إليها. في مدخل الجامعة وُضِعت لافتة ضخمة كُتب عليها باللغتين العبريّة والإنكليزيّة "أهلا وسهلا بطلبة السنة الأولى". ابتسمت وقلت في نفسي: "لا بأس، يبدو أنّهم نسوا هذه المرّة الكتابة باللغة العربيّة". لكنّني كلّما تقدّمت أكثر في مسالك الجامعة، أدركت أنّ الحرم الجامعيّ هو مجرّد حيّز آخر لا يتحدّث لغتي، اللغة العربيّة.

مشاعر الاغتراب هذه ترافقني أنا ومواطني إسرائيل العرب في أماكن العمل والترفيه والتسلية، في المكاتب الحكوميّة، وفي المواصلات العامة. الحرم الجامعيّ ذكّرني أنّني ضيفه لديه، تقع عليّ مسؤوليّة الاندماج والتأقلم والعمل على البقاء ومواجهه الاقصاء فيه.

الأحداث الصعبة الأخيرة التي انتهكت روتين الحياة للعلاقات بين العرب واليهود كشفت مدى ضعف الحيّز الذي يتقاسمه مواطنو إسرائيل. يبرهن التدهور الحاصل في النسيج الهش للعلاقات بين العرب واليهود، المرّة تلو المرّة، أنّه لا يمكن تجاهل الشرخ القوميّ الرئيسيّ القائم داخل المجتمع الإسرائيليّ، التصدّع الذي يؤثّر على جميع نواحي الحيّز الذي نتقاسمه في المدن والبلدات المختلفة، في أماكن العمل، في مراكز الترفيه والتعليم وفي الحيّز العامّ المشترك إجمالا.


إنّ تأثير الأحداث الأخيرة على الانتقال من روتين الحياة المعياريّة نسبيًّا بين العرب واليهود الذين يعملون ويتعلّمون ويقضون أوقات فراغهم في نفس الحيّز العامّ، إلى روتين الخوف والشكّ المتبادلين، كما نلمسه في هذه الأيّام، يُحتّم علينا تفكيرًا آخَرَ عميقًا حول أسس الحياة المشتركة في الدولة. يشكّل الحرم الجامعيّ أحد الحيّزات الأكثر قابليّة للتفجّر في الدولة لكونه الحلبة الأولى التي يلتقي فيها الشباب العرب واليهود على نحوٍ مُكثّف مع ما تتضمّنه من مشاعر الاغتراب والعداوة كلٍّ تجاه الآخر.

ثمّة أهمّيّة فائقة لتعزيز العلاقات بين العرب واليهود والتعامل مع الحرم الجامعيّ كمثل مصغَّر للمجتمع كلّه. لا يمكن خلق حياة مشترَكة دون الدمج والمساواة الحقيقيّة للمواطنين العرب، ودون تعزيز هُويّة مدنيّة متينة إلى جانب هُويّة جمعيّة قوميّة خاصّة بغية تحويل المكان إلى حيز يخلق الأمل في مستقبل أفضل للعلاقات بين العرب واليهود في الدولة.

اليوم، وبصفتي مديرة لمشروع يرمي إلى بناء حيّز مشترك ومتساوٍ في الحرم الجامعيّ، لديّ حلمٌ تحضر فيه اللغة العربيّة في الحيّز الجامعيّ وفي الفصول الدراسيّة، بحيث يكون الحوار والتباحث بين الطلبة العرب واليهود جزءًا لا يتجزّأ من تجربة الحياة الطلابيّة. هذا الحلم لا يتجاهل ضرورة تعزيز المساواة والاحترام اتجاه الطلبة العرب، ودمج العرب في الجهازين الاكاديمي والإداريّ ووجود آليّات تأخذ البعد الثقافي في عين الاعتبار وتوفّر الإجابات والخدمات الملائمة للطلبة العرب.

ثمّة أهميّة في ألا يكون الحرم الجامعيّ مكانًا آخر يختبر فيه الطلبة العرب على عدم قدرتهم الانتماء اليه، وَيضيعون فرصة لتجربه مهمه يشعرون فيها بمكانة مساوية لمكانة سائر الطلبة، ويضعون التحدّيات أمام تفكيرهم، ويعملون في سبيل التأثير على مجتمعهم وعلى اندماجهم كمواطنين في الدولة.

على الأكاديميّة أن تكون مكانًا مركزيًّا يعمل على صياغة خطاب مجتمع متعدّد الثقافات، لا ممثّلا لمجموعة الأغلبيّة اليهوديّة فقط. عليها أن تكون مكانًا يستوعب ويقبل جميع الطلبة - وبضمنهم الطلبة العرب كذلك. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]