المنطقة الضبابيّة
إسمي عبّود. قتلني جندي إسرائيلئّ
عبد الرحمن شادي عبدالله، تلميذ الصف التاسع من مخيّم عايده، قتله جندي من ج.د.ا. كان عمره حين قُتِل 13 سنه. يظهر الشارع هادئا في الصورة التي التُقِطت قبل الحادث بقليل،لم يكن أحد يحمل حجرا بيده، وكان الجنود بعيدين.
لافتة على لوحة من خشب الديكت تستقبل القادمين إلى مخيّم اللاجئين عايدة، بالقرب من بيت لحم، كُتِب عليها: "اسمي عبّود شادي. لاجئ فلسطيني عمري 13، فقط وقفت مع أصحابي، عندما أطلق جندي إسرائيلي النار عليّ فقتلني، روحي ستبقى هنا تلاحق قاتلي، وتشجّع أبناء صفي، أستغرِب إذا كان المجتمع الدولي سيُنْصف الأطفال الفلسطينيين".
منذ أيام وهذه العبارة المثيرة، باللغة العربية والإنكليزية، فوق صورة عبّود – اسم الدلع لعبد الرحمن شادي عبد الله – تتوهّج على كتلة الباطون الإسرائيليّة، تماما في المكان الذي كان يقف به يوم الاثنين الماضي مع بعض أصحابه أقلّ من عشرة أصدقاء.
أمام هذه اللافتة باقة ورد ذابلة، وشتلة زيتون تنمو بجانبها، وفوقها صورة للمخيم، وبجانبها تصميم لمفتاح كبير أسطوري للبيوت التي هُجِّرت عام 48. المنزل القريب من البوابة بناية للتوزيع تابعة للأنروا، بلون سماوي، وعلى الحائط المقابل أسماء، كُتبت بخط يد ، بلون أبيض على خلفيّة سوداء، ل 258 طفل اسمٌ بعد الآخر، أسماء الأطفال الذين قتلهم ج.د.ا. في الصيف الماضي في غزّة، هكذا هو مدخل مخيّم اللاجئين عايده، الشارع المتجه شرقا من هذا المكان، يُسمى شارع الموت، ينتهي عند جدار الفصل، وبرج مراقبة مُحصّن، وبوابة من الحديد تحرس قبر راحيل، 200-300 متر من الجدار وبرج الجنود حتّى البوابة، هي المسافة التي أطلق منها الجندي النار على عبّود فقتله.
{ حسب أقوال الناطق باسم ج.د.ا. استعمل الجنود وسائل لتفريق المتظاهرين باتجاه المحرِّض }
دخلنا المخيم، وسرنا في أزقّته الضيّقة، لقد قُتِل فتيان آخرون في السنوات الأخيرة في شارع الموت هذا، بجانبه يقع المتناس "المركز التربوي "، وملعب، ومدرسة المخيم والمقبرة، التي حُفِر فيها حديثا قبر عبّود، تظهر في الشارع آثار الدخان ، وبقايا العجلات والحجارة ، قليلون الذين يجرؤون على المرور فيه.
ترتفع أصوات الأولاد في بيوت المخيّم المتلاصقة، تقطع الهدوء المتوتر، بيت الشهيد مغطّى بأعلام فلسطين، حسب العادة، أبنية متراكبة لم تكتمل البناء، (ولن تكتمل)، شبابيك بيت عائلة عبد الله مشقَّقة أو محطَّمة أو مهملة أو متربة. .
قادنا الأبُ شادي، والجدّ خليل إلى الطابق الثاني، اثناهما ذوي شوارب، تكسوها شُعيرات داكنة بحزنها، كوفيّة على رأس الجدّ، وأخرى على كتفيّ الأب الذي يعمل في محاجر بيت لحم.
خمسة أولاد لشادي، كان عبود في الصف التاسع، لم يُتمّ ال 14، ذهب يوم الاثنين الماضي إلى المدرسة، عاد عند الظهر، طلب الطعام، بعثته أمّه إلى الدكان، عندما عاد قال إنه سيخرج لدقائق، وبعد أقلّ من عشر دقائق لفظ أنفاسه، لم يتناول طعام غدائه، ولا أحد في البيت تناول هذا الطعام.
نزل عبّود باتجاه شارع الموت، التقى أصحابه بالقرب من المتناس، في الصورة التي التُقِطَت قبل إطلاق النار بدقائق، حسب أقوال أبناء العائلة، كان الشارع هادئا: عبّود يقف مع أصحابه – فتى ضامر بقميص أزرق – مع ستّة من أصحابه، كلهم بعمره، فقط فتى واحد أكبر منهم، يشبك يديه ويتكئ على كتلة الباطون، ويقف وقفة استرخاء، لا أحد يحمل حجرا، الشارع خالٍ، الطلاب يعودون من المدرسة، حقائبهم على ظهورهم، ليس هناك إطلاق نار، أو أعمدة دخان.
حسب الشهادات التي جمعها محقق بتسالم موسى أبو هشهش، كان قبل ذلك إلقاء حجارة في الشارع، وأطلق الجنود قنابل دخان، وهرب الفتيان، بعد ذلك عاد بعضُهُم، ومعهم عبّود، أُطْلِقت النار عليه فور وصوله، لم تُلْق زجاجات حارقة ذلك اليوم، حسب بتسالم، الحجارة تتكسر على جدار الباطون، أو على بوابة الحديد، أو على البرج المحصّن، ولا تسبب أذى.
بعد أقلّ من خمس دقائق على وصول عبّود، فُتح شبّاك بوابة الحديد، وبدأ إطلاق النار، عن بعد 200 -300 متر، ثلاث رصاصات من بندقيّة روجر، ربما مع كاتم صوت، شادي والد الفتى لم يسمع صوت إطلاق النار، رصاصة واحدة أصابت عبّود بصدره فسقط، نزف الدّم من نفه ومن فمه، يحفظ الأب في تلفونه المحمول صورة لإطلاق النار في الشارع، وصورة الجندي، ذي الحذاء الأحمر، حذاء المظليين، وهو يصوِّب بندقيّة القناصة نحو الشارع، التُقِطت هذه الصورة بواسطة صحفيّ محليّ ، يقول شادي إن هذا الجندي هو الذي أطلق النار على ابنه.
أحد المواطنين نقل عبود إلى مستشفى الحسين في بيت جالا، على بعد دقائق سفر، لكنهم قرروا موته حين وصوله، الساعة 1:40 ظهرا لم يبق أمام والديه إلاّ قبول الخبر المشؤوم، في اليوم التالي دُفِن عبود على بُعْد خطوات من المكان الذي قُتِل فيه، وانطلقت الاضطرابات ثانية في المخيّم.
قال الناطق بلسان ج.د.ا : " إنّ ج.د.ا يتعامل بجديّة مع أحداث من هذا النوع، ويأسف لموت الفتى" وقال أيضا إنه: " في المكان جرى اختراق للنظام، وأعمال عنف ضد قوات ج. د. ا. تهدف المساس بهم، وبقبر راحيل، استمرارا لأعمال العنف من اليوم السابق، استعمل الجنود وسائل لتفريق المظاهرات ضدّ المحرّض الرئيسي، الذي وقف قريبا من عبّود، وقد بدأت الشرطة العسكريّة بالتحقيق"
{الأب شادي: قبل أن يُقْتل بيوم، قلت لهإبق في البيت ولا تخرج لأيّ مكان}
يبدو أن ج.د.ا. يعترف مُرْغما وبشكل غير مباشر بخطئه: إطلاق النار لم يوجَّه نحو عبّود، إنما باتجاه المحرّض الرئيسي الذي وقف قريبا من عبود". من الآن نعرف أن : "جنود ج.د.ا. يقتلون المحرضين عن قصد" وليس فقط من يلقي الحجارة.
ج.د.ا. يقول متأسفون؟ ماذا يفيدني؟ ابني قُتِل، كان هذا إعداما. قال الأب شادي: " لو ألقيَ القبض على ابني ومعه سكين، كنت سأجد مبررا لإطلاق النار عليه، هل نسمي من يلعب بحجر مقابل دبابة مقاتلا؟ هذا قَتْل لأطفال أبرياء، قلبي يحترق، أرى أنكم حزينون أيضا، أنتم تعرفون ان ابني بريء، قبل ن يُقْتل بيوم قلت له: "ابق في البيت، اشرب معنا الشاي، لا تخرج لأيّ مكان"، قال إنه لا يستطيع البقاء في البيت، تعالوا معي ننزل لنرى غرفته، هذا ليس بيتا، إنه سجن، أراد ابني أن يخرج من السجن ليلعب، من فضلك بلِّغ رسالتي" إننا نريد السلام، يدُنا ممدودة للسلام كفى، لم أفقد ابنا واحدا – لقد فقدت خمسة أبناء، كلهم صُدِموا نفسيا، في نهاية الأمر "الله يحاسب" ويُضيف الجدّ خليل: "هناك قرار حكوميّ بالقتل، هؤلاء الفتية ليسوا إرهابيين، ولا يفهمون بالسياسة، إنّهم يلعبون"
نزلنا إلى غرفة عبّود: غرفة صغيرة "بصعوبة تتسع لسرير حديدي بطابقين، له ولأخيه البكر محمد، وممر ضيّق بين السرير والحائط، غرف المساجين التي رأيتها في إسرائيل أوسع منها. الله أكبر، يعلن صوت المؤذّن صلاة الظهر، تماما في مثل هذا الوقت من الأسبوع الماضي قُتِل عبّود. تلفون شادي يرنّ: يقول له أخوه أن ابنه عمر، بسنّ عبّود، قد ذهب ثانية إلى قبر عبّود وأنه يقف أمام القبر ويبكي، بعث شادي ابنه البكر محمد كي يهدئ عمر الذي يبكي عند قبر ابن عمّه، في الوقت الذي تزداد عمليات الطعن وإطلاق النار وسفك الدماء.
ترجمة : أمين خير الدين
2015/10/18
[email protected]
أضف تعليق