قال هنري كيسنجر السياسي الأميركي المُحنك:»يستطيع القوي أن يكذب كما يشاء» ويضيف بعد ذلك «إن أحداً لا يتجرأ على محاسبته». ما يقوم به الجسد الفلسطيني وهو ينزف الدماء وبخروج الروح الى السماء ليس سوى تعرية الروايات الصهيونية منذ المؤتمر الصهيوني الأول بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897. من المفترض كمجتمع فلسطيني أن يدعم جسده الذي قدّم ويقدم التضحيات بحقائق ومعلومات لتعرية الذئب، ليس هذا فقط وإنما أيضاً أخذ الجسد بكل سموه الى العالم بطرق مختلفة في شتى حقول الثقافة ومكوناتها. وهذا ما كان بقوة حاضر بالماضي من خلال الأدب (كنفاني ودرويش كمثال لا الحصر).

أُصاب بالإرهاق، الدهشة القاتلة بداخلي حين ينتصر الجسد لنا ونحن لا ننتصر له، بل على العكس كلياً هناك من يقوم بوعي أو/و عدم وعي بقتل الجسد مرةً أخرى، أو بقتل الجسد إن لم يرتق الى السماء.

وما يزيد الطين بلة هو الشك في رواية الجسد من طرفنا كمجتمع فلسطيني، أو تبني الرواية الصهيونية بقصد أو/و غير قصد. والأخطر من كل ذلك حسب رأيي_ هو تداول الرواية الصهيونية اما كحالة ضعف، فقدان المعلومة، جهل وعدم معرفة ما وراء فعل الصورة أو الكلمة، بالتالي يؤدي ذلك الى تشتت يصل مرحلة التمزق للجسد في عالم الحقيقة.

وهنا يجدر الإشارة بأن ما يقوم به المحتل الإسرائيلي من تعرية جسد الفلسطيني الضحية من ملابسه ليس سوى محاولة لوضعه في قالب المجرم/المتهم/الإرهابي/ كائن غريب/عدو... ليتم سلخ الجسد عن واقعه بالأساس الذي جاء منه، مما يجعل الآخر غير الفلسطيني لا يشاهد الضحية بواقعها طفل/طالبة مدرسة/عامل/ أم/موظف/طالب جامعة. بالتالي ما تقوم به الماكنة الإعلامية الإحتلالية هو تشريع الرواية الكاذبة، وهذا ما قامت به الرواية الصهيونية واستندت عليه منذ البداية بمقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» الأمر الذي يجعل من الرواية الصهيونية رواية الخير، الأخلاق، سامية القصد.

هناك فرق كبير بين منطق القوة وقوة المنطق، بالتالي فرق بين كلام القوي وكلام الضعيف، لكن هنا سأنظر الى قوة الجسد مقابل ضعف جسد الآخر، من خلال النظر الى جسد الفدائي والضحية المعدمة من المحتل بالنظر الى محيط الواقعة التي تم بها الفعل.

ان قوة جسد الفدائي رغم ضعف أداة الفعل مقارنة مع ما يمتلك الآخرون من أسلحة قتل وهم يلتفون حوله حطمت العديد من روايات قوة الجيش المنظم، الأمن الداخلي، بث الإرباك في المؤسسة الأمنية. ومن زاوية الضحية المعدمة؛ واجه الجسد الرصاص بحالة من الثبات أربكت القاتل وبرهن الجسد المدمي على وحشية المحتل وشهوته للقتل دون أي سبب يذكر سوى أن صاحب الجسد فلسطيني. وبعد كل هذا يسرقون الجسد كأن الجسد مربك ومرعب لهم حتى ما بعد الموت.

وعلى صعيدنا كمجتمع أصحاب الجسد، نتقاتل على الجسد ونشتته بمسميات متناسيين بنهاية الأمر بأن هذا الجسد جسد الضحية، فالضحية طفل وليس مقاتلا.. الضحية لم تحمل سكينا وإنما كانت طالبة تحمل حقيبتها المدرسية... الضحية أم كانت في طريقها إلى منزلها لتعد وجبة الغداء لعائلتها.

برأيي إن تضخيم الضحية وإعطائها جسدا غير جسدها من خلال هوية ليست لها هو قتل بعد عملية القتل. وبكل تأكيد ذلك انعكاس لغياب الوضوح لكافة المؤسسات التي نشأ بها هذا الجسد، هناك هوة فاصلة بين الجسد وأغلب المؤسسات متمثلة في مصلحة الذات أم مصلحة وطن، وهنا تكمن قوة الجسد بأنها تمردت على كل المصالح التي يسعى لها الكثير من خلال الإيمان المنطلق بأن فلسطين أكبر من كل المؤسسات التي نشأ بها، دون أن يضع هذا الجسد أي حسابات مستقبلية.

ما أتمناه من مجتمعنا أن تحمل هذه الأجساد الطاهرة سواء كان شهيدا أم جريحا الى العالم، من خلال المؤسسات الدولية المختلفة لكشف الحقائق والمحاسبة، وبالتالي معاقبة الذئاب، بمعنى أن نخوض معارك جديدة أخرى فتحها لنا الجسد وأن لا نكتفي بالبكاء وكبت المشاعر والعواطف التي تجعلنا أمواتا رغم إننا أحياء. وخوض حرب على وسائل الإعلام الدولية التي لم تقم بنشر الأحداث التي واجهها الجسد الفلسطيني وبالتالي المجتمع ثم القضية الفلسطينية بشكل عام.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]