مر يوم الاضراب العام الثلاثاء الماضي، احتجاجا على الاعتداءات على المسجد الأقصى والقدس وسقوط ضحايا فلسطينيين برصاص قوات الأمن ومستوطنين اسرائيليين، مر هذا اليوم الذي أعلنت عنه لجنة المتابعة العليا، بنظام وهدوء، وكذلك المظاهرة القطرية الحاشدة في سخنين، وهذه شهادة لصالح الجماهير العربية التي تتصرف بحكمة وشجاعة في آن.
ورغم أهمية الحدث وحجمه، إلا أن تكرار الاضرابات في مجتمعنا العربي واقحام المدارس فيه بشكل خاص، أثار ويثير مرارة لدى قطاع كبير من أبناء مجتمعنا. وفي أحاديث جانبية مع عدد من الأصدقاء منهم نشيطون سياسيون ومنهم أولياء أمور ومنهم أصحاب مصالح وغيرهم، كان هناك اجماع على أن أدوات النضال التي تلجأ اليها لجنة المتابعة والأحزاب باتت مستهلكة وروتينية و"قديمة"، وأكد البعض الحاجة الى "التجديد" في أساليب النضال والاحتجاج، والى ضرورة افساح المجال أمام الجيل الشاب لأن يبادر وأن يأتي بابداعات جديدة ومبتكرة تلائم روح العصر ولغة الشباب. كما كان اجماع على ضرورة ابعاد الطلاب والمدارس عن هذه الاضرابات، لأنها لم تعد تجد أو تنفع، ولا تجلب الا الخسارة على طلابنا، خاصة وأن الاضرابات كثرت على مدار السنة، اضافة الى الأعياد والعطل، فتنتهي السنة ونقف لنسأل مستهجنين: ماذا تعلم أبناؤنا؟
أضف الى ذلك أن الاضراب لا ينجح، أو لا يظهر نجاحه الا بالاعتماد على قطاعين أساسيين وهما التعليم والتجارة. فعندما تغلق المدارس والمحال التجارية يضاف اليها مكاتب السلطات المحلية والمؤسسات في البلدة، وتقوم الكاميرات بتصويرها يسجل أن الاضراب نجح! لكن لو تمعنا في الأمر ودققنا النظر نحو العمق، ماذا نرى؟
هناك قطاعات كثيرة من شعبنا لا تشارك في الاضراب، وبالتالي فان قسما منه يتحمل عبء انجاح الاضراب مما يجعل الاضراب شكليا أو فاقدا لقيمته، الا اذا أردناه اضرابا شكليا واعلاميا. فاذا فحصنا المدارس نرى بأن الاضراب يقوم على أكتاف الطلاب، بينما يحضر المعلمون الى المدارس، يشربون فنجان قهوة، يعقدون ديوانا ويعودون الى بيوتهم. فأي قيمة يقدمون للاضراب وأي مثال يقدمون لطلابهم ومجتمعهم؟ أيحق للمعلم/ة أن يضمن راتبه/ها لذاك اليوم، بينما يخسر الطالب مواد تعليمية؟ لماذا لا يفرض على المعلمين تعويض تلك المواد في يوم آخر؟ وبدل أن يكون المعلمون قدوة لطلابهم يتحولون الى "سخرية" للأسف، وكنت قبل سنوات بعيدة وأنا في جهاز التعليم قد كتبت مقالا عنوانه "المعلمون جبناء" لأنهم يتخلفون عن المشاركة في الاضرابات الوطنية! وهناك من يدعي أن المدير يجبره على الحضور على المدرسة، لكن ليس للمدير سلطة على قرارنا الشخصي والجماعي، واذا هددت مديرة اللواء في وزارة المعارف، فغهل باستطاعتها فصل كل معلمي المدرسة، من هنا يبستدعي الأمر شجاعة من المعلمين ووحدة كلمة وموقف.
أما عن المحال التجارية، فالاضراب ينجح أيضا على أكتاف المحال الرئيسة، أي الواقعة على الشوارع الرئيسة وفي مراكز المدن، بينما تلجأ الحوانيت الصغيرة والموجودة خاصة داخل الأحياء الى فتح أبوابها، مما يجعل أصحاب المحال المتضررة الى التذمر – وبحق- أنهم يدفعون "ضريبة" الاضراب لوحدهم!
وماذا عن العمال وأصحاب المصالح خارج البلدات العربية. لم يعد يستخدم المواصلات العامة الا عدد بسيط وقليل، فغالبية العمال والمهنيين يسافرون الى أعمالهم بسياراتهم الخصوصية، ولم تعد هناك رقابة عليهم، وبالطبع فانهم لا يلتزمون بقرار الاضراب ويتوجهون الى أعمالهم، ولو قامت الكاميرات بجولة على المصالح الخاصة في المناطق الصناعية اليهودية، لظهرت أمامنا الحقيقة المؤلمة أن نصف شعبنا لا يشارك في الاضرابات.
ان الجميع يعرف ويدرك تلك الحقائق، لكن يفضل عدم اثارتها، وهنا يكمن الخطأ. علينا أن نضع الأمور على جدول البحث دون مواربة. ان هذه الحقائق تستدعي اجراء تغييرات جوهرية في أدوات وأساليب نضالاتنا السياسية، وجعل الاضرابات أياما ذات جدوى وليس مهزلة، وكما شهدنا حتى في الاضراب الأخير، ورغم أهميته وشرعيته، من تجاوزات علنية وتصرفات صبيانية لكسر الاضراب.
(شفاعمرو- الجليل)
[email protected]
أضف تعليق