تشهد الأيام الأخيرة تصعيدا ملحوظا بالأجواء -المتوترة أصلا- في البلاد، وهذا التصاعد الخطر وإن كان يقلقنا إلا أنه لا يفاجئنا البتة، فمن الواضح أنه النتيجة الحتمية لإصرار حكومة اليمين الإسرائيلي على مواصلة الاحتلال سد أي أفق للعملية السياسية واستمرار الكبت والقمع ومصادرة الأرض وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وإطباق الحصار على قطاع غزة واستشراس حملة التحريض والتمييز العنصري على المواطنين العرب في البلاد.
إن الانتهاكات الاسرائيلية للمسجد الأقصى هي انعكاس لهذه السياسات العدوانية الممنهجة، لكنها ليست أكثر من القشة التي قسمت ظهر الجمل، فشعبنا يعاني الأمرين في كافة مجالات الحياة، ولا شك أن المس بالمقدسات يشكل خطا أحمرا، خاصة وأن الممارسات الأخيرة تعزز القلق من وجود مخطط الاسرائيلي معروف بالعمل على التقسيم الزماني والمكاني للمسجد المبارك، وما قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومنعه للنواب كافة بما فيهم النواب العرب من دخول الأقصى إلا مقدمة لذلك، إذ تنظر الحكومة إلى أصحاب البيت، وهم النواب العرب، بنفس المنظار الذي تنظر فيه إلى نواب اليمين الذين لا يقتحمون الأقصى الا للاستفزاز.
هذه العوامل كلها، لا يمكن للشعب الفلسطيني، أو لأي شعب آخر، أن يسلّم بها، ومن هنا فقد كان واضحا أن مسألة الانفجار ليست إلا مسألة وقت، كما أن التهدئة هذه المرة أيضا دون أي أفق نحو انهاء الاحتلال، وخلق واقع جديد تسود فيه قيم السلام والمساواة والديمقراطية، هي تهدئة هشة ومؤقتة.
في هذه الجولة أيضا، يجد المواطنون العرب في إسرائيل أنفسهم في مهب الريح، ومحط التحريض الأرعن، ومن يظن أن الإشكال يبدأ باعتداء تقترفه عصابة من الزعران في نتانيا أو العفولة، فهو مخطئ، إذ أن حملة التحريض ضد المواطنين العرب هي منهجية ومؤسساتية وتبدأ من رأس الهرم، من رئيس الحكومة الذي يتعامل مع المواطنين العرب كأعداء ويستكثر عليهم حتى التصويت في الانتخابات. ورئيس الحكومة هنا ليس وحده، إنما إلى جانبه جوقة واسعة من النواب والوزراء المتطرفين الذين يضعون التحريض على المواطنين العرب في رأس سلم أولوياتهم، لمواصلة ترهيب المواطنين اليهود من العرب، وهي الأداة الأمثل لليمين لضمان استقرار حكمه.
من يتابع الأحداث الراهنة وتصرف السلطة فيها ويقارنها بالجولات السابقة، بما فيها الحرب على غزة، يرى بأن السلطة مصرة على ألا تخاطب المواطنين العرب إلا عبر فوهة البندقية، كما يلحظ بشكل بارز أن السلطة تتعلم سريعا من الجولات السابقة وهذا ما تؤكده الرقابة الترهيبية على شبكات التواصل الاجتماعي والاعتقالات الاستفزازية بل ومنع الباصات من الوصول إلى المظاهرات، إلى جانب دس المستعربين في المظاهرات وغيرها من الممارسات.
في هذه الظروف، نرى أيضا أن الاعلام الإسرائيلي، يتجند بالكامل لدعم الرواية المؤسساتية دون أي محاولة لطرح الأسئلة الشجاعة، مثل: لماذا تطلق النار على إسراء عابد في حين لم تكن تشكل أي خطر على رجال الشرطة، حتى وإن حاولت قبل لحظات القيام بعملية طعن؟
أمام هذا التصعيد "والتطور" المتصاعد في أداء السلطة، على الجماهير العربية أيضا أن تراجع أدواتها النضالية وعدم الاكتفاء بالتظاهر على أهميته، وإبقاء شباننا ضحية سهلة المنال للشرطة، لقنابلها واعتقالاتها، وإحدى الأدوات الهامة التي علينا كجماهير عربية أن نطورها هي قدرتنا على منع السلطة من النجاح بالاستفراد بنا، وتصويرنا على أننا طابور خامس، وهذا لا يكون بالانحناء والتنكر لشعبنا وانتمائنا إليه، إنما بالعكس، بالاجتهاد بتطوير آلياتنا النضالية ضمن مواطنتنا لخدمة شعبنا وقضاياه، ولعل مهمتنا الأساسية كوننا نعيش داخل اسرائيل هي أن ندأب على تصديع الإجماع الصهيوني والعمل على مخاطبة المجتمع الإسرائيلي وبناء شراكات واسعة لعدم السماح لليمين بالاستفراد بنا.
هذا كله، يتطلب من الجماهير العربية، ومن قياداتها، التفكير بشكل استراتيجي والانتقال من ردة الفعل إلى المبادرة، ونحن في "سيكوي" كجمعية عربية يهودية مشتركة، مستعدون للمساهمة في أي تباحث في هذا الشأن، انطلاقا من قناعتنا التامة، بأن النضال العربي اليهودي هو الأنجع والأكثر قدرة على إفراغ محاولات اليمين الترهيبية من مضمونها بكل ما يتعلق بالتحريض على المواطنون العرب.
[email protected]
أضف تعليق