كما في كل عام، مع بداية فصل الخريف وتحضيرًا لفصل الشتاء وأمراضه، أرى من واجبي كطبيب ومدير مؤسسة صحية ومطّوّر لصحة المجتمع العربي، أن أتواصل مع الجمهور الكريم، بشرح وافي، للمساهمة في الوقاية من مرض الإنفلونزا في هذا العام.
الإنفلونزا هو مرض معد، يحدث نتيجة عدوى فيروسية، وقد يؤدي الى ارتفاع درجة حرارة الجسم، أوجاع الرأس، تلوث جهاز التنفس والتعب الجسدي العام. تزداد حالات الاصابة في فصل الشتاء بشكل خاص، وقد تؤدي أحيانا الرقود في المستشفى وأحيانا تسبب الموت.
تختلف الانفلونزا وعدواها في كل موسم عن الموسم الذي سبق، وتؤثر بشكل كبير على الناس كل عام بطريقة مختلفة،. فعلى مدى 31 موسم بين عامي 1976 و 2007، فإن تقدير عدد الوفيات المرتبطة بالأنفلونزا في الولايات المتحدة مثلاً ارتفع من 3000 إلى حوالي 49000 شخص سنويًا .
الإنفلونزا هي عدوى فيروسية وليست ناجمة عن الجراثيم، لذلك لا يوصى باستعمال المضادات الحيوية في العلاج - والتي وظيفتها القضاء على الجراثيم- الا اذا وجد الطبيب سببًا جليًا لاستخدام المضادات الحيوية لوجود التهاب جرثومي نتج بعد تفاقم الانفلونزا.
يصيب فيروس الانفلونزا بشكل عام جهاز التنفس الاعلى وعلى الاغلب فهو مرض خفيف ولكن مضاعفاته تزداد عندما يدخل الفيروس الى الرئتين ولأعضاء اخرى في الجسم مثل القلب وأعضاء حيوية اخرى. تتفاقم الحالات المرضية الصعبة للأنفلونزا لدى المصابين بالأمراض المزمنة كأمراض القلب، الرئتين، مرضى السكري، ضغط الدم وأمراض الكلى ولدى المسنين.
من أجل المحافظة على صحتنا، ننصح الجمهور بأخذ الاحتياطات اللازمة والقيام بعدة خطوات أساسية للتقليل من العدوى.
1. غسل الأيدي بالماء والصابون عدة مرات خلال اليوم ، قبل الاكل وقبل التعامل مع الغذاء وبعد الخروج من الحمام.
2. تغطية الفم و الأنف خلال العطس والسعال.
3. الالتزام بالبيت عندما تشعرون بوعكة صحية والمحافظة على مسافة من المعافين.
إضافة لكل ما ذكر، فإن إحدى الوسائل الفعالة والناجعة للحماية من الإنفلونزا، هو تلقي تطعيم الانفلونزا مجددا، حيث يتم في كل عام، تعين تركيبة الانفلونزا الموسمية من قبل خبراء من منظمة الصحة العالمية، بحسب الأصناف المتوقعة للتسبب المرض في العام ذاته، لذا نوصي الجمهور الكريم بتلقي التطعيم كل عام بتركيبته الجديدة لأن المرض يتغير وينجح في التغلب على التطعيم السابق.
إن أكثر الأشخاص المعرضين للعدوى والمرض هم من يعانون من امراض مزمنة وأمراض القلب ، أمراض السكري ، أمراض الكلى، الامراض الرئوية والصدرية وكبار السن وكذلك الأطفال والحوامل. لذا فإن التطعيم يحمي الشخص ذاته وأيضًا يحمي عائلاتنا، خاصة الأكثر عرضة للعدوى من ظهور وتطور المرض لديهم.
أما العاملين في مجال الصحة ، المستشفيات والعيادات من أطباء وممرضات واخرين فمن الواجب ان يحصلوا على تطعيم الانفلونزا لكي يحموا انفسهم وعائلاتهم من الاصابة بالمرض وكذلك من اجل ان لا ينقلوا العدوى لمرضاهم أثناء العلاج . حيث تصّدر مستشفى الناصرة- الانجليزي في العام السابق، المكان الاول لقائمة المستشفيات التي تجري تطعيما للطاقم الطبي في البلاد حيث وصلت نسبة تطعيم الطاقم الطبي الى 77%. (وفق فحص وزارة الصحة للعام 2014 )
أثبتت الأبحاث مدى أهمية ونجاعة التطعيم، وتأثيره إيجابيًا على صحة المجتمع. فقد أظهرت الإحصائيات في اسرائيل ، أنه في سنة 2012 ، انخفضت نسبة المرضى البالغين الذين اضطروا للمكوث في المستشفى بسبب الانفلونزا ب 71%، كنتيجة لتلقي التطعيم، هذا يعني أنه كلما تلقّت نسبة أكثر من الناس التطعيم قلت نسبة تفاقم المرض. إضافة الى ذلك، فإنه وبحسب أبحاث أخرى أجريت، تبين أن تلقي كبار السن للتطعيم ، يقلل الوفاة بنسبة 50%، أمّا أمهات الرضع (من دون الستة أشهر) اللواتي يتلقين التطعيم، يقللن من احتمال اصابة الرضيع بنسبة تصل 66% لان التطعيم يقلل احتمال الاصابة بالمرض ويخفف العدوى.
قد يكون لتطعيم الانفلونزا مضاعفات خفيفة او عوارض جانبية كالشعور بالحرارة او الشعور بالأنفلونزا الخفيفة وغيرها ولكن أضرار المرض ومضاعفاته اكبر بكثير وقد تشكل خطورة على حياة المرضى.
فلنأخذ المبادرة والمسؤولية على انفسنا لنجعل من حياتنا وحياة عائلاتنا صحيّة أكثر، فإن قرار تلقي التطعيم، يحمينا وعائلاتنا على حد سواء، ويمنحنا امكانية التمتع بموسم الشتاء بوفرته وبركاته، بدل ان نلتزم الفراش، ونعدي الاخرين. اتمنى تجاوب الجمهور مع هذا النداء ليكون الشتاء القادم أكثر صحة وأقل انفلونزا.
بقلم د.بشارة بشارات – مدير مستشفى الناصرة – رئيس جمعية تطويرصحة المجتمع العربي ومحاضر جامعي
[email protected]
أضف تعليق