بالرغم من أن الرئيس لم ينزع القفازات كما توقعنا وتمنينا في خطابه ضد إسرائيل، إلا أن سيلاً من الأصوات التحريضية اندفعت لمهاجمته بدءا من نتنياهو رئيس الوزراء الأكثر مخادعاً في تاريخ الدولة نفسها، وبعيداً عن الحد الأدنى من الأعراف الدبلوماسية وصف خطاب الرئيس «بالكاذب والذي يشجع التحريض والاضطرابات في الشرق الأوسط» كيف؟؟ ليس مهماً أن يجهد الفرد في التفكير فيما يقول نتنياهو فالأقوال التي صدرت عنه تنطبق تماماً على أقواله وأفعاله التي بلغت ذروتها بالنشاطات الاستيطانية واقتحامات الأقصى وهي ما يشجع التحريض والاضطرابات في الشرق الأوسط.

ومنه إلى موشيه يعالون ويرين ليفين وميري ريغيف التي لا تكف عن التحريض والتبشير بالاستيطان واقتحام الأقصى وزئيف الكين ونفتالي بينيت وأوري أرئيل وصحف اليمين وصحافيها، لقد قالوا كلاماً كثيراً مدججاً بالتحريض ضد الرئيس وضد الخطاب الذي لم ينزع حتى فتيل القنبلة، لكن اسرائيل التي تجندت كلها حتى المعارضة على لسان هرتسوغ الذي اعتبر أن «هذا ليس خطاباً بل كان جملة من التشهيرات البشعة والكاذبة» إسرائيل لا تريد لأحد أن يتحدث وأن يسمي الأشياء بمسمياتها أن يقول أنها دولة احتلال واستيطان، أن يطالب بإنهاء هذا الاحتلال الذي أصبح جزءا من مكوناتها والذي يتوافق مع الفكر الأبرتهايدي الذي يعشش في عقل كل منهم ويتنامى أكثر مع الانزياحات التي نشهدها في المجتمع الإسرائيلي وتنعكس على نظامه السياسي.

يا للهول ...فقد طالب الرئيس بحل الدولتين وإنهاء الاحتلال وإحلال السلام، من يستمع إلى تصريحات كل الوزراء وأعضاء الكنيست والحكومة والمعارضة يتصور بأن دبابات أبو مازن تحاصر تل أبيب، كيف تستطيع إسرائيل ممارسة كل هذا التضليل بلا خجل، نتنياهو يطالب الرئيس الفلسطيني بالذهاب للمفاوضات دون شروط، وزير دفاعه يقول أن أبو مازن تنصل من المفاوضات، وكأن التاريخ ليس أمامنا، ألم يذهب الفلسطينيون لمفاوضات الأشهر التسعة دون شروط؟ وقد أرغموا على التنازل عن شرط الاستيطان حتى لا يفوتوا فرصة بدت جدية حينها، من الذي طرد وزير الخارجية الأميركي وأغلق المفاوضات أليس نتنياهو نفسه عندما رفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى المتفق عليها؟ بعد أن تلقى جون كيري مجموعة من الشتائم من قبل موشيه يعالون بسبب فتحه نافذة أمل بالمفاوضات اضطر يعالون لاحقاً الاعتذار عنها.
لم يلق الرئيس قنبلة لكن إسرائيل تظاهرت بأن الشظايا مزقت جسدها وأن دمها سال على الطرقات، وتلبست ثوب الضحية في مسرحية مكشوفة ومثيرة للسخرية، ليس من الممثلين فقط بل وأيضاً من عالم لم يقل كلمته الحاسمة بأن هناك من يحتل شعباً آخر، وقد آن الأوان لإنهاء هذا الاحتلال، من عالم لا زال يقبل أن يقف المحتل الأول على منصة الأمم المتحدة ويعيد مكرراً في كل مرة بأنه ضحية التاريخ والدولة الضعيفة، وأن هناك من يريد إبادتها وهو ما رد به ليلان سيفان في مقال له بصحيفة معاريف قائلاً «نتنياهو يصور الشعب الإسرائيلي على أنه ضحية، كان هذا ذات مرة لكنه لم يعد كذلك منذ زمن».

لم يمل نتنياهو تكرار هذا الدور في اجتماع الجمعية العامة، ذات مرة عرض أمام الحضور خارطة لمعسكر الإبادة أوشفيتس ومرة أخرى رسم لهم القنبلة النووية، لكن التهديدات التي تضمنها خطابه تكشف زيف الادعاء، فقد وقف مثل أزعر الحي يوزع تهديدات لإيران وحزب الله وسورية، لن يسمح ...وسيضرب ...وقف مثل معلم كأنه أمام مجموعة من الطلاب الأغبياء يشرح لهم عن مستقبلهم والتهديدات التي تحيط بهم يرشدهم ويعلمهم مصلحتهم بأن ايران لا تهدد إسرائيل وحدها، هو يعرف الحقيقة ولكن التوسع بهذا الشكل الدعائي في الخطاب وصمته لمدة 45 ثانية هو لحرف الأنظار عن الملف الرئيسي.. ملف احتلال شعب آخر.

ليس معروفاً أن نتنياهو يصدق أن العالم لا زال يصدق ادعاءاته المملة أم أنه يعتقد أن إسرائيل عليها أن تقود خطوات إعلامية دعائية وليس خطوات سياسية، أم يعرف الحقيقة بأن أحدا في العالم لم يعد يشتر بضاعته الفاسدة كما قال أحد الصحافيين الاسرائيليين؟ أغلب الظن أنه يعرف الحقيقة فهو يكره الأمم المتحدة لأنه لا فيتو أميركيا على قراراتها يقف في وجه الفلسطينيين ويشكل غطاء للاحتلال، وقد كتب ذلك في كتابه الذي صدر في تسعينيات القرن الماضي «مكان بين الأمم» كتب بأن الأمم المتحدة يسيطر عليها الفلسطينيون والعرب ولا نجاحات لإسرائيل فيها.
يعرف الحقيقة لأن القاعة أثناء خطابه خلت من الحضور، فقد غاب معظم رؤساء الوفود بما فيها ابرز أعضاء الوفد الأميركي الذي استدعاه الرئيس أوباما قبيل إلقاء خطابه بدقائق، وأن الذين قاطعوه مراراً بالتصفيق هم قادة الجالية اليهودية واللوبي اليهودي هناك، لكنه أراد تمرير الوقت وموجة الخطابات العاصفة والتشويش على محاكمة كل مرة تقف اسرائيل في قفصها أثناء تقديم المرافعة الفلسطينية في كل عام، وهي نفس المرافعة المتكررة التي بُح الصوت صارخاً بها وهي تناشد العالم وتطرق رأسه بخطاب الضحية التي ما زالت تحترق وتدنس مقدساتُها وتُسرق أرضُها وماؤها وسماؤها ويهان أهلها.

من العبث اعادة تفنيد خطاب نتنياهو وكأن علينا أن نثبت أنه احتلال ونحن الضحايا، فخطابه لم يكن أكثر من خطاب بلطجة سياسية، فإن ملخص ما قاله يمكن اختصاره في جملة واحدة «سأبقى محتلاً بقوة السلاح إلى أن تأتوا صاغرين دون شروط للخضوع للشروط الاسرائيلية» هذا بعد أن أضاع وقت الحاضرين وهو يشتتهم في الملف الايراني كأولوية لدى حكومته، أما دون ذلك فالأمور مستقرة، هناك سلطة تحت الاحتلال تحملت مسؤولية الفلسطينيين ولا أحد يستعجل انهاء هذا الملف، فقد أطبق اليمين حكمه على الدولة وفي مناطق الدولة الفلسطينية تنشأ دولة يهودا إلى جانب دولة اسرائيل، وكلما تقدم الزمن تكون الدولة العبرية قد استفادت اكثر ونفذت مخططاتها ويكون الفلسطينيون قد انهكوا أكثر فلماذا الاستعجال.

هذا الواقع الذي يتحقق منذ عامين وينتظر رؤساء الوزراء الفلسطيني الذي يأتي سابحاً على بطنه، أنه واقع يجب أن يتغير ليس فقط لأن العالم اكتشف منذ نيسان العام الماضي كذب الخطاب الاسرائيلي، بل لأن الواقع أصبح لا يطاق ولا يسمح بالوقوف في وجه التوسع والاستيلاء على الأرض، لهذا كان التوقع بأن ينزع الرئيس القفازات ويعطي للعالم مهلة زمنية قبل قلب الطاولة في وجه الجميع، ولأن هناك وضعاً مستقراً لا أحد يشعر بالضغط.. فلتكن أزمة إذاً.. فترة ستة أشهر مثلاً قبل مغادرة الرئيس الأميركي، إذا لم يتحرك العالم فليكن الحريق، قالها السادات سابقاً وفعلها الرئيس عرفات والظروف تضع الرئيس أبو مازن في نفس المسار، لا بد من نزع فتيل القنبلة، لأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، أليس هذا ما قاله الرئيس؟

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]