في العادة، تخضع عملية تعيين كبار موظفي الدولة العبرية، وعلى الأخص المواقع القيادية الأولى في الجيش والشرطة، لسلسلة طويلة من الترشيحات والتعقيدات، وفي البحث عن قائد للشرطة الإسرائيلية، لم يكن الأمر سهلاً، رغم أن وزير الأمن الداخلي، سرعان ما وجد في العقيد احتياط غال هيرش، الرجل المناسب في هذا الموقع الحساس على ضوء ما يجري في مدينة القدس المحتلة، واحتمالات متزايدة باندلاع انتفاضة ثالثة، وكذلك إمكانيات لتنفيذ الإجراءات القمعية الجديدة ضد المتظاهرين، وجد هيرش رجلاً مناسباً لهذا الموقع ولديه كل الخبرة في هذا المجال، خاصة أن رئيس الحكومة نتنياهو ووزير حربه يعالون أيدا هذا الترشيح، رغم بعض الاعتراضات على أساس أن هيرش يأتي من خارج سلك الشرطة.
وزير الأمن الداخلي، اردان، تحدث عبر وسائل الإعلام، بعد الإعلان عن اسم مرشحه وفقاً لتقاليد التعيين، عن أن هيرش كان من أبرز قادة الاغتيالات الموضعية للنشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الثانية، وقام بتصفية عناصر من الشرطة الفلسطينية دون أي تردد، ورغم التعليمات بمنح الفلسطينيين حرية الحركة، إلاّ أنه لم يمتنع عن فرض سياسة صارمة على حركة الفلسطينيين حتى أنه قام بسد الطرق الترابية التي كانت تعتبر شوارع التفافية على ضوء إغلاق الشوارع الرئيسية والحواجز الإسرائيلية العديدة.
لكن جدلاً واسعاً أثير حول هيرش، خاصة وأن التقارير السرية أشارت إلى أنه فشل في إحراز أي إنجاز أثناء قيادته في الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان، ولم يسجل في سجله، اية مبادرة أو تحقيقه لأي إنجاز أثناء تلك الحرب الطويلة، وتم صرف النظر عن هذا التعيين وبدأ البحث عن بديل في الوقت الذي وضع فيه "هيرش" موضع النقد من قبل العديد من القيادات التي أخذت تبرر استبعاده، الأمر الذي أدى إلى فتح ملفات التقصير في الحرب الثانية على لبنان، وشبهات بالفساد المالي، وعودة إلى أسباب استقالته أو إقالته من الجيش، وهذا الأمر يعتبر عادياً في مجال الحياة السياسية والعسكرية في الدولة العبرية... فمنذ سقوط هيرش، بدأت السكاكين تلوح حول جسده!
لم يكن الأمر سهلاً بالبحث عن بديل، إذ أن هيرش قاتل بامتياز، رجل عصابات واغتيالات، لا ينفذ الأوامر المرنة، يأخذ الأمور على عاتقه ومسؤوليته لارتكاب كل ما أمكن من جرائم بحق الفلسطينيين، لا يأبه لأي اعتبارات سلوكية، فأين يجد "اردان" رجلاً يتجاوز كل هذه المواصفات ليتسلم قيادة الشرطة الإسرائيلية؟! ظهر أن السؤال ساذج للغاية، إذ هناك الكثيرون الذين يتمتعون بمواصفات تفوق ما لدى هيرش، والاختيار لن يكون صعباً أبداً!!
المطلوب مفتش للشرطة الإسرائيلية في ظروف غير عادية، مهامه تتجاوز المهام التقليدية التي عرفتها الدولة العبرية، ذلك أن هناك متغيرات جوهرية على قائد الشرطة الإسرائيلية الجديد التعامل معها، تتعلق تحديداً بما يجري في القدس المحتلة، على ضوء سريان مفعول الخطط الإسرائيلية الرامية إلى إخضاع المسجد الأقصى إلى السيطرة اليهودية الكاملة من خلال برنامج زمني ومكاني لتقاسم المسجد، واعتبار ذلك أمراً واقعياً، لكن هذه الخطط لن تمر بسهولة، إذ ان المواطنين الفلسطينيين أعلنوا عن اعتصامهم، رجالاً ونساءً في المسجد، كما أن اشتباكات عنيفة تجري بين رماة الحجارة والمولوتوف الفلسطينيين، ورجال الأمن والشرطة الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى أن تستقوي دولة الاحتلال بقوانين رادعة قاتلة للفلسطينيين، لإخضاعهم وتمرير خططها التهويدية، وهذا يتطلب رجلاً من نوع خاص، لذلك ان المرشح لهذا المنصب من الشاباك، نائب رئيس الشاباك والمرشح، أيضاً، في السابق لتسلم قيادة الشاباك، من مواليد اليمن، يتقن العربية بلهجاتها المختلفة، والأهم، قاتل لا ترمش له عين، إنه روني الشيخ الذي بات فعلاً مفتشاً عاماً للشرطة الإسرائيلية.
مشكلة روني الشيخ، أنه رجل الشاباك الذي عمل مجرماً في الشاباك من دون أن يعلم أحد خارج الاطار الضيق بجرائمه، الآن خرج من الظل ليصبح شخصية عامة، ورغم قصره، وشاربه الذي بات موضعاً للتندّر، إلاّ أنه يتصف بالذكاء الحاد، حتى يقال إنه ترفّع من الصف الرابع الابتدائي إلى الصف السادس مباشرة، وهو الرجل الذي تمكن من العثور على مكان الجندي المخطوف فاكسمان في منتصف تسعينات القرن الماضي، لدى اختطافه من قبل حركة حماس، إلاّ أن عدداً من شهادات الأسرى السابقين من الفلسطينيين، لم تذكر وسائل الإعلام الإسرائيلية أسماءهم، أكدوا على أنه كان محققاً مخيفاً وذكياً، من هنا أطلقوا عليه لقب "الثعلب" إذ أنه كان ينجح في الحصول على المعلومات منهم من خلال ذكائه أكثر من الاعتماد على التعذيب.
الأهم من ذلك كله ـ ربما ـ أن روني الشيخ مستوطن، ومن المجتمع المتدين عنصري بامتياز، ويقال إنه كان أحد الارهابيين الذين اغتالوا القيادي في حركة حماس في دبي قبل خمسة أعوام محمود المبحوح، نظراً لصور متشابهة إلى حد كبير بين من ظهرت صورته في الفندق وروني الشيخ، خاصة وأن الأخير كان يعمل في اطار الشاباك في ذلك الوقت.
لكن.. بعض المراقبين، يشيرون إلى أن نجاح روني الشيخ في الشاباك حيث العمل السري، ليس ضمانة لنجاحه في العمل الشرطي، وفي كل الأحوال، فإن المواجهة مستمرة بصرف النظر عن الشخص الذي يتولى قتال وقتل الفلسطينيين!!
[email protected]
[email protected]
أضف تعليق