الاستقراء العميق لراهن الوضع الفلسطيني ومقارنته مع جرأة حكومة الاحتلال وقدرتها على الفعل توضح نتائج مخيفة جدا، وتنذر بخطر واقع يحملنا بسرعة نحو الهاوية.

الشهيد ياسر عرفات وهو يُرغم على امتطاء حمار أوسلو الأعرج، ترك خلفه في المنفى عناصر قوة استراتيجية فلسطينية من منظمة التحرير، الى مخيمات الاحتياطي البشري الفلسطيني والعربي في مواجهة اسرائيل، وبنظرة عابرة يدرك المتابع أن منظمة التحرير هرمت ولم تعد قادرة على تجميع الفلسطينيين بعدما التهم غول السلطة جوهرها وتركها جوفاء الحضور، واستعادة دورها بعد كل ما جرى ليس بالأمر الهين في ظل شتات المشاريع والارادات.

أما جيش حق العودة في يرموك سوريا من اللاجئين فقد جرى تشريده على البحار والمخيمات المؤقتة وصدقات العواصم، وفي لبنان يخشى الجميع تكرار مأساة نهر البارد في عين الحلوة، في حسابات لبنان شديدة التعقيد، وخشية قادتها من امتداد الحريق السوري.

الانتقال السريع للقدس التي خضعت لعملية احلال اسرائيلي كبيرة فيها، واستهدفت مكونات الوجود الفلسطيني من خلال سحب الهويات والتهجير بالضرائب والمخدرات والحواجز، فالمدينة تهودت شوارعها بالأسماء العبرية والمطاعم التي تقدم وجبات عربية بأيد طباخين يهود، والخطورة تكمن بحصر المشكلة في حدود المسجد الأقصى بما لا يتجاوز مساحة 3 كيلو متر مربع، فيما ابتعلت الأغلبية الإسرائيلية الأقلية الفلسطينية في 103 كليو متر مربع، وحاصرتها بالمستوطنات، ولم يبقى للفلسطيني والمسلمين سوى ممر أمن من اجل السياحة الدينية.

الضفة الغربية فقدت أهم أراضيها التي تحمل الزراعة وتخبئ الماء والبترول، في المنطقة (c)، وعسكرت اسرائيل الأراضي الحيوية والاستراتيجية في الأغوار وأريحا، ونهر الأردن، وبقى للسلطة مدن ومخيمات الإسمنت، والكثير من الالتزامات الأمنية والاقتصادية المرهقة، فيما تمارس مستوطنة "بيت الرب" سحرها الأسود على الراغبين في التصاريح من أجل العمل والسياحة.

غزة وما أدراك ما غزة أرادتها حماس حدود مملكتها بالمعنى الاقتصادي قبل السياسي وبأفهام دينية لا يتفق عليها الجميع، خاصة بعدما أُغلقت أبواب مصر في وجهها بعد رحيل مرسي، وحماس تدرك أن أبواب الشمال مشروطة بالأمن ثم الأمن، لأن شروط المعابر تحت رحمة قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، وبذلك تصبح ساعة الكهرباء مقابل إغلاق نفق، وأنبوبة الغاز تتطلب دورية مقاومة حدودية لضبط السلاح ذاتيا، وكل محاولات شق طريق في البحر نحو أردوغان أصعب من زيارة محمد الضيف للقدس، فلماذا لا تحافظ الحركة على أرض غزة بما أوتيت من قوة، كملاذ أخير وقبر أخير في أسوأ الأحوال.

وفي دول الطوق والمواجهة، ترى اسرائيل خير أجناد الأرض يهرولون في سيناء أرض التيه خلف شبح داعش، وينتقل رجال حزب الله بعتادهم إلى معارك أرياف سوريا، ويحاول الجيش السوري الحفاظ على بقايا القلعة في سراديب دمشق، وينشغل الإيرانيون في العراق وسوريا والبحرين واليمن، هذا عربيا.

تبصر اسرائيل ما سبق وهوان الفلسطينيين على بعضهم في قنوات الاعلام منذ شرخ الانقسام، وترى حسابات الرجال قبل الأوطان، وشعب روضه عجز القادة لا يملكون إلا أبواب المحاكم الباردة، وسنوات التقاضي الدولي المديدة، أو سقف خطاب انساني أمام وجه بان كي مون الأصفر، خطاب قد يصفق مندوبو الدول له طويلا، لكنهم في اليوم الثاني يستيقظون على أسعار النفط وقراءات البورصة وإصدار الدولار بلا رصيد، وصور داعش، والجميع يعلم أن روسيا بوتين وأمريكيا أوباما على قائمة أولوياتهم الكثير شرقا وغربا قبل فلسطين، ومع ذلك لا مانع من تحريك الأوراق الصغيرة في معركة الحسابات الكبيرة.

اذا.. لا مخرج فالانتفاضة الأولى جلبت أوسلو، والثانية أنجبت الانقسام والثالثة بلا وقود، ختاما اعتذر منكم وأدرك أن المشهد قاتم ولكن الأمل في قدرة الشعب الفلسطيني الخارقة على الحياة وهنا لغة أخرى غير لغة الحسابات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]