يأتي اجتماع المجلس الوطني المقبل في رام الله، في ظل أوضاع خطيرة تمر بها القضية الفلسطينية، ومصير الشعب الفلسطيني على مفترق طرق، فإما أن يخرج هذا الاجتماع بإنجازات تاريخية وحقيقية، وإما ستطلق رصاصة الرحمة على المشروع الوطني برمّته.
لا شك في أن الآراء متباينة حول الاجتماع ومخرجاته، ولا يمكن أن ننكر أو نتغاضى عن المعارضة الفلسطينية التي عبّرت بشكل واضح عن أنها ضد الاجتماع ومخرجاته منذ البداية، وهنا نتحدث عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهما فصيلان مهمان، ولهما قاعدة شعبية كبيرة، أكبر بكثير من كثير من الفصائل الوطنية، هذه المعارضة عملياً تسهم في إضعاف مخرجات الاجتماع، والذي جاء وفق أعضاء في اللجنة التنفيذية والقيادة الفلسطينية من أجل تصحيح المسار، وإعادة المنظمة إلى سكة الفعل الحقيقي، بعد أن هرم كثير من أعضائها، ولم يعودوا قادرين على الحركة، فما بالكم بالقدرة على القيادة.
إذن رؤية القيادة حول هذا الاجتماع يجب النظر إليها بتمعن وحسن نوايا، كونها تعيد التأكيد على أن الشعب الفلسطيني بغالبيته يريد أن يرى قيادة قوية وشابة للمنظمة، من أجل العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشروع الوطني، الذي أدخله الاحتلال والانقسام إلى نفق أكثر من مظلم، فلم نعد قادرين على تحليل مجريات الأحداث ولا شكلها في المستقبل، ولا حتى اتجاهات البوصلة الوطنية أو العربية والإقليمية والدولية.
ولكنْ، تغيير جزء كبير من القيادة ليس هدفاً بحد ذاته، فالهدف هو أن يكون لهذا التغيير القدرة على العمل الجاد على إنقاذ الوضع وبناء استراتيجية وطنية جامعة، للتخلص من الاحتلال وإفرازاته على الأرض الفلسطينية.
المعارضة الفلسطينية للاجتماع، أيضاً، لها وجهة نظر ربما تكون صائبة في بعض النقاط، ولكن يجب ألا ترتقي المعارضة إلى حد التشكيك في تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني. وإن سمعنا من بعض قيادات حماس والجهاد الإسلامي تصريحات إعلامية تنفي تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني.
محاولة ضرب المنظمة تحت أي مبرر، أمر خطير، وستكون له انعكاسات سلبية، سنقطف ثمارها مرَاراً وشوكاً إذا لم تتغير هذه التصريحات العبثية.. نتفق نختلف.. جائز، ولكن التشكيك في الشرعيات لا يمكن القبول به.
وعلى المعارضة ألا تنسى المحاولات الإسرائيلية المستميتة خلال العقود الماضية للقضاء على المنظمة، والتشكيك الدائم في تمثيلها للشعب الفلسطيني، وأنها كانت دائماً تخلق مبررات واهية، من أجل تشكيل رأي عالمي ضد المنظمة ومفهوم تمثيلها للشعب الفلسطيني.
يجب ألا ننسى أن سلطات الاحتلال وعلى مدار العقود الماضية حاولت خلق بدائل على الأرض للمنظمة، وخاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وأقرب مثال على ذلك محاولاتها الفاشلة لخلق البديل المتمثل في "روابط القرى"، وكيف عاثت هذه الروابط فساداً وتخريباً وقتلاً من أجل ترسيخ أقدامها كبديل عن الشرعية الوطنية والثورية... ولكن سرعان ما انهار هذا الجسم البديل، بل تبرّأ منه من كانوا فيه، وأصبح عاراً يلاحقهم في كل زمان ومكان.
ولا يمكن أن ننسى محاولات الانشقاق التي جاءت مدعومة من أنظمة عربية، وعلى رأسها نظام الأسد السوري في حينه، عندما أعلنت مجموعات عن انشقاقها وتشكيل جسم بديل للمنظمة، تحت إمرة وقيادة أنظمة إقليمية، دفعت لهم وحاولت أن تتحكم بمصير الشعب الفلسطيني، وتصفية قيادته التاريخية، وإنهاء منظمة التحرير وتمثيلها الحقيقي، وتحويل هذه المجموعات إلى أجسام ضعيفة تابعة لها من أجل تمرير مصالح الدول التي وفرت لها المكان والمال.
نسوق هذه الأمثلة لنؤكد أن محاولات المساس بمنظمة التحرير وتمثيلها قد ذهبت أدراج الرياح، وأن كل من حاول تنصيب نفسه بديلاً لها شطب بشكل كامل، ولم يعد له وجود على أرض الواقع.
في المقابل، أمام المعارضة فرصة تاريخية للحضور والمشاركة وإسماع الصوت بقوة، ويمكنها أن تحرف بوصلة النقاش نحو آرائها وتخوّفاتها...
ومما لا شك فيه أن حركتي حماس والجهاد إذا شاركتا فسيكون لهما وزن كبير وتأثير واضح المعالم، وربما تحدث هذه المشاركة فرقاً كبيراً في مخرجات الاجتماع، وعلى رأسها انتخاب لجنة تنفيذية جديدة.
السؤال الذي يجب أن تجيب عنه المعارضة: هل هي فعلاً مع اقتناص هذه الفرصة أم أنها ستضيعها، وبالتالي ستعود إلى الدائرة المغلقة، والتشكيك وضرب الوحدة الوطنية؟
الاجتماع لن تكون أهميته بالكلمات التي ستلقى من على المنصة، ولا بالنقاشات التي ستكون أكثر من عاصفة، ولعل النقاشات التي كانت تدور في اجتماعات المجلس المركزي الثلاثة الأخيرة على الأقل، كانت أكثر من عاصفة، ولكن المخرجات وإن بدت في صياغتها اللغوية والإنشائية قوية، فإنها على أرض الواقع لم تحدث تغييراً كبيراً، حتى في موضوع التنسيق الأمني الذي أخذ حيزاً كبيراً في توصيات المركزي ونقاشاته، لم يتم تطبيقها بالمطلق، وأصبحت ربما حبراً على ورق، المبررات كثيرة والانتقادات أكثر... ولكن كان بالإمكان التعمّق أكثر في مناقشة هذا الملف، لأنه من السهل أن تقدم توصيات للجمهور الفلسطيني، ولكن من الصعب إن لم يكن من المستحيل تغيير قناعاته بعد ذلك، فالجمهور الفلسطيني يتحدث اليوم عن سخرية وعدم ثقة في إحداث تغيير على مفهوم التنسيق الأمني.
إذن أمام هذا الاجتماع تحديات أكبر بكثير حتى مما يعتقد أعضاء في المجلس الوطني، وهي بحاجة إلى صانعي قرار، وإلى قيادة تدخل التاريخ وليس قيادة ضعيفة تخرج القضية الفلسطينية برمتها من التاريخ.
[email protected]
أضف تعليق