في الأسابيع الماضية تم نشر عدد من الوثائق تظهر استغلال المال العام لأغراض شخصية في وسائل الإعلام المجتمعية، تلك الوثائق أثارت موجة غضب وسط الفلسطينيين الذين ضاقوا ذرعاً بالخدمات التي تقدمها الحكومة مع حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد الوطني، هذه الوثائق التي نشرت في وسائل الإعلام الحديثة لم تكن المرة الأولى. وهناك وثائق وملفات لشبهات فساد لعدد من المؤسسات الخاصة والأهلية يتم تداولها أيضاً من فترة لأخرى عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ما أراه في عملية نشر تلك الملفات والقضايا سواء إن كانت مثبته أو غير مثبته كقضايا فساد هو أخطر من الفساد بحد ذاته لأسباب تعيق العملية التنموية في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ما جعل المواطن الفلسطيني يرى العديد من الظواهر التي يعتبرها فسادا، بالتالي أدى الى خلق ثقافة معاكسة لمفهوم التنمية المستدامة وهو اقتسام الغنائم والثروات والمواقع والإمتيازات، فالجميع بدأ يبحث عن التكسب السياسي والاقتصادي السريع كل حسب اختصاصه بحيث أصبح كل يوم بالنسبة للعمل هو امتصاص المال العام لأنه حتى هذه اللحظة عصا القانون ضعيفة لأن المواطن لا يرها تعمل كما يجب.
وفي ظل توقف عمل المجلس التشريعي الفلسطيني بسبب الانقسام بالضفة الغربية وقطاع غزة مابين حركتي فتح وحماس من جهة، واعتقال الاحتلال الإسرائيلي لعدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي، أدى ذلك الى حالة من تجميد عمل المجلس في الرقابة والمساءلة والمحاسبة للعديد من المؤسسات الحكومية والغير حكومية والشخصيات العامة بمختلف مستوياتهم.
ومن زاوية أخرى، وعلى الرغم من وجود عدد من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والأهلية التي تعنى بمحاربة الفساد من هيئة مكافحة الفساد ومحكمة جرائم الفساد، ديوان الرقابة المالية والإدارية ومؤسسة أمان وعدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني إلا أن المواطن الفلسطيني أصبح فاقد الثقة بتلك المؤسسات، لأن ما يراه أو يستشعر به هو تزايد مظاهر الفساد وانعكاسه على تدهور الواقع الاقتصادي وبالتالي الخدمات المقدمة للمواطن الفلسطيني. مع الأخذ بعين الاعتبار بوجود الرغبة في مكافحة الفساد لدى الحكومة الفلسطينية، وخير مثال على ذلك ما قاله على سبيل المثال رئيس الوزراء دكتور رامي الحمدالله في كلمته التي القاها بمناسبة مؤتمر اطلاق تقرير الفساد السنوي لمؤسسة أمان» ان تقرير الفساد هو خطوة هامة من اجل الاضاءة على الجوانب التي تحتاج لمعالجات كما اكد رئيس الوزراء نية الحكومة الانفتاح على الجهات الرقابية المختلفة، وان كافة المؤسسات الرسمية الوزارية وغير الوزارية هي عرضة للمساءلة والرقابة، بما فيها المؤسسات الرسمية الرقابية نفسها».
بالاعتماد على الفقرة السابقة، فقدان ثقة المواطن في المؤسسة التي يجب أن تحاسب وتسائل جعل الأمور تزداد سوءاً وخصوصاً بأن المواطن لا يسمع عن قضايا تمت محاكمة أشخاص معينين تم إثبات ارتكابهم جريمة فساد، مما جعل المواطن لا يؤمن في بناء المؤسسات على أساس الجدارة، بل ما يراه هو علاقة التنفيع سمةً مميزة للهيكل المؤسسي للنظام السياسي الفلسطيني وأداةً قويةً للإقصاء والاستيعاب. وارتبط التنفيع بأسلوب الحكم المشخصن وغير الخاضع للمساءلة.
وأيضاً ما أشاهده بشكل دائم بأن أغلب المؤسسات الأهلية والشبه حكومية تصرف أموال هائلة للإعلانات وورش العمل والعلاقات العامة والترويج للمؤسسة أكثر ما يكون هناك نتائج فعلية يستشعر المواطن نتائجها على الصعيد الآني أو بعيد الأمد. وأيضاً الأنشطة الشكلية التي تقوم بها بعض المؤسسات من فعاليات وأنشطة حيث ركزت على مسائل من قبيل صياغة مدونات قواعد السلوك، وتحسين إجراءات التوظيف، ووضع تدابير وقائية للتعامل مع مخالفات محددة. ورغم أهمية هذه التدابير، فإنها لا تكفي إذا تجاهلت الأسباب السياسية الجذرية للفساد.
لهذا تلك الوثائق المسربة، وما سيسرب في المستقبل سواء كان مثبتة أو غير مثبتة، يجب أن يتم تداولها بطرقها القانونية، وعدم تداولها بالطرق القانونية يثبت كل ما سبق بالإضافة الى عدم ثقة الشارع الفلسطيني بتلك المؤسسات والإجراءات التي تثبت البريء من المتهم في جريمة الفساد باستغلال المال العام لمصالحه الشخصية. بالإضافة أن تلك الوثائق يتم استخدامها كأداة قتال ما بين القيادات في الحزب الواحد أو بين الأحزاب الفلسطينية، فنجد هناك استغلالا ما ينشر من جانب كجزء من عملية تصفية الحسابات، أو كدعاية مضادة أو موجهة ما بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني؛ هذه الملفات ناجمةٌ من الصراع على السلطة، وليست بسبب جهود رسمية أو/و شبه رسمية لمكافحة الفساد.
[email protected]
أضف تعليق