ينشغل الشارع السياسي في الداخل الفلسطيني (مناطق ال48) بانتخابات لجنة المتابعة والمزمع عقدها يوم السبت القادم ,وكما في كل انتخابات ما لبث أن أُغلق باب الترشيح حتى بدأت كوادر الأحزاب في تلميع مرشحيها وتسويقهم جميعا بصورة القائد الوحيد القادر و"الاب الملهم" و"رجل المرحلة" و"صاحب الباع الطويل" وما الى ذلك من كليشهات تقليدية تجعلنا نظن لوهلة أننا أمام أنتخابات حقيقية تعبر عن رغبة الجماهير العارمة في التغيير وتعطيها المجال للمشاركة به وأخذ دورها في صناعة المستقبل ! للأسف ليست هذه حقيقة المشهد بل ان هذا المشهد يعبر عن عمق انسلاخ المنغمسين في لعبة "مين فينا الرئيس" عن واقع المتابعة ونظرة الجمهور العريض اليها .

المتابعة بدها مين يتابعها هي أكثر جملة ترددت في السنوات الأخيرة على ألسنة النشطاء السياسيين (أساسا أولائك الحزبيين الذين يطلقون حملات التأيد اليوم بعدما نسفوا امام الشارع هذه اللجنة وسمعتها من خلال نقدهم لها على مدار سنوات -وان كان بغالبه موضوعيا- دون تحميل المسؤولية لأحزابهم على دورها)والجمهور العريض على حد سواء, ولم تأتي هذه المقولة من فراغ بل هي تعبير عن أِمتعاض شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل من اداء هذه اللجنة وصل حد التشكيك بشرعية وأهمية وجودها. ظاهرة عدم الثقة هذه تحتاج لكتاب للخوض فيها وليس لمقالة قصيرة ولكن إذا اردنا ان نلخص جميع هذه الأسباب في مانشيت عريض واحد فسيكون عجز هذه اللجنة عن التأثير على الحياة اليومية للناس وعدم قدرتها على مواجهة التحديات القومية لهم من هدم المنازل حتى متابعة ملف العنف الذي يعصف بمجتمعنا.

هشتكنا وبشتكنا يا ريس !

رغم أِطلاع جميع الأطراف ذات الصلة على عمق الأزمة السياسية الذين تتواجد بها المتابعة بجميع مركباتها (مجتمعة وفرادى) وبالرغم من عدم وجود ادنى شروط الأحترام المتبادل أو العلاقة المهنية على الأقل بين غالبية هذه الأطراف ,تجري الأنتخابات لرئاسة هذه اللجنة . وهو دليل آخر وقاطع من وجهة نظري على عدم رغبة هذه القوى في تخطي هذه الأزمة وأعادة الشرعية للجنة المتابعة لان الرئيس كائنا من يكون سيكون فاقدا للشرعية الشعبية اولا والسياسية ثانيا من قبل خصومه الذين عرض كل منهم مرشحا يمثله لرئاسة اللجنة بغض النظر عن فرصه المنخفضة بالنجاح,في رسالة مفادها ان عقلية الجاه والزعامة والمحاصصة هي التي تسيطر على عقلية المرشحين والاحزاب ..والا فما الحاجة لرئيس جديد سيحافظ على المشاكل القديمة بل وقد يعمقها بسبب موقعه هو في خارطة المعسكرات والتي اصبحت اكثر تعقيدا في السنوات الاخيرة بسبب ارتباط البعض المطلق بخاطة المعسكرات المتلاحمة في الوطن العربي؟!

إلى أين نذهب ؟!

ان الخارطة السياسية المعقدة الموصوفة أعلاه ليست الا طرف المشكلة ووجه من أوجه خارطة المصالح خاصة اذا ما اخذنا بعين الأعتبار تقاسم الادوار بين قبعة الاحزاب في المتابعة وقبعتها الأخرى في القائمة المشتركة!

بناءا على ما تقدم فأن انتخاب رئيس في هذه الحال قد يكون بداية النهاية بالنسبة للمتابعة ورصاصة الرحمة (الجائز جدا انها تحتاجها) في أفضل الحالات أو تمديدا في عمر الأزمة وأعادة فرز لما يحصل في الوطن العربي في أسوأها .

اذا يمكن التعامل مع اي من المرشحين او الاطراف بجدية اذا لم يسأل السؤال الصحيح ويجيب عليه وهو :

ما الهدف من لجنة المتابعة اساسا ؟

اذا كان الهدف لجنة أخرى توفر منصبا اخر او لجنة تمثيلية تتصدر المظاهرات التقليدية وتلقي الكلمات اذا فلا حاجة للأنتخاب أساسا وبالإمكان التناوب عليها حسب مفتاح التمثيل الموجود اليوم .اما اذا كان الهدف ان تكون هذه اللجنة خطوة على طريق بناء الإنسان والوطن من اجل التأثير على مستقبل الشعب الفلسطيني عموما من خلال البدء بتنظيم هذا الجزء منه فأن هذا لن يتم إلا بطاولة حوار وطني جدي ومفتوح يجمع كل الأطراف ويطرح كافة الملفات الشائكة وليس بربط الحمار أمام العربة وانتخاب رئيس.
 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك 
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]