وقت لا يزال ملف التنقيب عن الغاز في لبنان مجمداً، وموضع جدل وخلاف ونقاش بين الأفرقاء اللبنانيين، تخطو دولة إسرائيل خطوات جبارة في هذا المجال وتسعى الى ان تصبح اكبر مصدر للغاز في المنطقة. من هنا الاهمية البالغة للاعلان الاخير لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالتوصل الى اتفاق مع شركات التنقيب عن الغاز في إسرائيل، وطرحه على التصويت في الحكومة والكنيست.
لماذا نجحت إسرائيل؟
يعود نجاح تجربة إسرائيل في التنقيب عن الغاز بعكس لبنان، الى عدد من الامور اهمها وجود سياسة رسمية مدروسة تستند الى خطط بعيدة الامد تتناول مسألة كيفية تطوير قطاعات جديدة للطاقة في إسرائيل وفي طليعتها الغاز بعد اكتشاف وجود كميات كبيرة منه في المياه الاقتصادية لإسرائيل المحاذية لمياه لبنان وقبرص ومصر وقطاع غزة. يضاف الى ذلك الاستثمارات الكبيرة للقطاع الخاص للاعمال الإسرائيلي، ومبادرات المستثمرين الاجانب والمحليين الذين اشتروا حصصاً في امتيازات التنقيب، والتقنيات الحديثة المستخدمة في الحفر للتنقيب عن الغاز في المياه العميقة.
لقد ساهمت مسارعة الدولة الإسرائيلية الى وضع قوانين تنظم قطاع الغاز وتحدد حصة الدولة وكيفية استثمارها من اجل خدمة مواطنيها، في ازدهار هذا القطاع وتطوره، وفي جذب الشركات والمستثمرين الأجانب.
وخلال الاعوام الماضي ومع بدء استخراج الغاز في إسرائيل بدأ استخدام الغاز يحل شيئاً فشيئاً محل الفحم والمازوت والسولار في محطات توليد الطاقة الكهربائية وبعض الصناعات الإسرائيلية. ومن المعروف أن استخدام الغاز في مجال توليد الكهرباء يعتبر أرخص بالنسبة للمستهلك وأقل تلويثاُ للبيئة، ويساهم مع الوقت في التقليل من اعتماد إسرائيل على استيراد النفط من الخارج من اجل حاجاتها المحلية.
الاهمية الجيوسياسية للغاز الإسرائيلي
للاتفاق الاخير مع شركات الغاز اهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة الى إسرائيل، وهو يأتي بعد مفاوضات شاقة جرت بين الحكومة الإسرائيلية وشركتي "نوبل إنرجي" الأميركية وشركة "ديليك" الإسرائيلية، حول حقوق الاستثمار للشركتين والقوانين الناظمة.وكادت هذه المفاوضات ان تتعثر اكثر من مرة نتيجة الخلافات بين مطالبة الهيئات الرسمية الإسرائيلية بتقييد عمل شركات الغاز وخفض اسعار الغاز للمستهلك وحرية تعديل الاحكام الناظمة للقطاع، بين معارضة شركات الغاز القبول بتخفيض كبير في الاسعار، ورفض ادخال تعديلات جديدة على القوانين الناظمة تحد من صلاحيات شركات الغاز.
والاتفاق هو في الحقيقة ثمرة قرار سياسي إسرائيلي بامتياز ويشكل تسوية بين الحكومة الإسرائيلية وبين الشركات المستثمرة. وسوف تكون له انعكاساته الكبيرة من اهمها:
1- تأمين الاستهلاك المحلي الإسرائيلي للغاز خلال السنوات الثلثين المقبلة، وخفض اسعار تعرفة شركة الكهرباء التي بدات تعتمد اكثر فاكثر على الغاز من اجل توليد الكهرباء.
2- ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي، وانتقال الشركات من استخدام المازوت الغالي الثمن الى مصدر جديد أرخص ونظيف ويساهم في المحافظة على البيئة. وتأمين مداخيل جديدة للخزينة تقدر بمليارات الدولارات مما سيسمح بتقلص العجز في الموازنة ودعم البنى التحتية وتحسين الاحوال الاجتماعية
3- تصدير الغاز الى الدول المجاورة مثل الأردن ومصر وتركيا والسلطة الفلسطينية،ويقال ان هناك عقوداً تنتظر تقدر بمليارات الدولارات. ولا يخفى ما لذلك من تأثير على مكانة إسرائيل الجيو سياسية بين دول المنطقة.
4- استخدام عائدات التصدير من اجل استكمال اعمال التنقيب الجديدة وتطوير حقول اخرى للغاز في إسرائيل.
وقت يغرق لبنان في دوامة الفراغ والشلل الحكومي والازمات المعيشية، استطاعت إسرائيل تحقيق خطوات جبارة على طريق استغلال الغاز وحقوله وصولاً الى تصديره، وهي في هذه الاثناء نجحت في الالتفاف على النزاع مع لبنان على ملكية حقوق التنقيب عن الغاز من خلال توقيع اتفاقات للتعاون مع قبرص لاستغلال حقول الغاز والنفط.
[email protected]
أضف تعليق