لم تخل عملية اعتقال الارهابي احمد الاسير على يد الامن العام اللبناني من بعض السخرية، والّتي من الطبيعي الا تطال العملية التي قام بها وتميزت بالدقّة وادت غايتها بنجاح واثمرت بالطبع عن توقيف الاسير قبل هروبه من لبنان. ولكنها طالت بعض التعليقات التي لم تكن موفقة بتاتاً، ومنها تعليق الرئيس السابق ميشال سليمان الذي حاول ان "يلعب على الكلام" والقول ان "الاسير اصبح اسير". لم ينجح سليمان في هذه المحاولة، لا بل كان الفشل ذريعاً وكانت "المزحة" سمجة وثقيلة، اذ لا يمكن الاستهزاء بمثل هذه العملية الامنية، كما لا يمكن الاستخفاف بمشاعر اهالي الشهداء الذين سقطوا من الجيش اللبناني بفعل ما قام به هذا الارهابي مع مجموعته الارهابية المجرمة، علماً انه مطلوب من القضاء ايضاً عبر مذكرات توقيف...
وفيما انهالت الردود المنتقدة لكلام سليمان، اتى رد استهزائي ايضاً لم يَخْلُ من المعاني اللاذعة حيث اعتبر البعض ان الاسير بقي مختبئاً طوال هذه المدة دون ان ينجح احد في كشف مكانه، ولكنه لم يستطع مقاومة تذوق قطعة الحلوى التي صُمِّمَتْ خصيصاً لميشال سليمان وستنزل الى الاسواق قريباً حاملة اسمه(1).
لا مكان بطبيعة الحال لهذه السخرية في عملية امنيّة ادت الى ما ادت اليه من القبض على مجرم ارهابي، ولذلك يجب التركيز بالاضاءة على معاني هذه العملية النوعية. لا شك ان الكثير قيل وسيقال عنها، ولكن يبقى هذا الانجاز محكوماً ببعض النقاط ومنها:
- تمكن مدير الامن العام اللواء عباس ابراهيم من اعادة صورته كـ"رجل الساعة" بعد ان تعرضت لبعض التشكيك بفعل عدم نجاحه بعد على خطّي مفاوضات العسكريين المخطوفين ومبادرة القادة الامنيين على الصعيد السياسي اللبناني. واثبت اللواء ابراهيم مجدداً انه لا يمكن التقليل من اهميته، وان هذه العملية التي نفذها الامن العام اعادته والامن العام إلى الواجهة مجددا (اصرّ اللواء ابراهيم بالامس على ان لا علاقة لاجهزة امنية خارجية بالقبض على الاسير).
- اعادت هذه العملية "تيار المستقبل" الى قفص الاتهام، وافسحت المجال امام رئيس تكّت "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ليرتاح قليلاً من الحملة التي تعرض لها على خلفية تحركاته الميدانية. وبغض النظر عما اذا كانت المعلومات التي تحدثت عن اعتراف الاسير بضلوع سياسيين واحزاب ودول بما قام به في عبرا دقيقة ام لا، لا يمكن ايقاف الشكوك والكلام وصولاً الى اتهام التيار والسعودية بما حصل وبتمويل الاسير قبل ايقاف التمويل عنه بعد "انتهاء دوره"، وهذا الامر سيضع "تيار المستقبل" في موقف الدفاع بدل ان يكون في موقف الهجوم.
- تكثر التساؤلات عما اذا كان الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني على الصعيد الامني يصب في خانة لبنان والمصلحة اللبنانية، فاذا صح ان الامن العام استفاد عبر مصادره وطرقه من معلومات فلسطينية ليلاحق ويتابع هذا الخيط وصولاً الى القاء القبض على الاسير، فإن هذا الامر يمكن اعتباره مؤشراً الى امكان استفادة القوى الامنية اللبنانية من الفلسطينيين للمرة الاولى ربما، بدل ان يحتكر الاستفادة من نزاعاتهم، المنظمات الارهابية على اختلافها التي اوجدت مقرات خاصة بها داخل المخيمات...
- لا شك ان القبض على الاسير حياً يبقى الخطوة الابرز في هذا الانجاز الامني، لان قتله كان سيجعل منه لدى بعض المضللين و"عميان القلوب" بمثابة شهيد، وهي الكلمة الابعد عنه بطبيعة الحال. كما ان استجوابه سيفضي الى الحصول على الكثير من المعلومات التي من شأنها ان تنهي العديد من الخلايا الارهابية النائمة والتي كانت تنتظر من يوقظها في اي وقت.
في المحصّلة، تبقى عملية الاسير نوعية ولا يمكن الاستخفاف بها بشكل مباشر او غير مباشر، ومن الاكيد ان نتائجها ستصب في خانة المصلحة العامة اللبنانية على الصعيدين السياسي والامني.
(1) بتاريخ 13-8-2015، تناقلت بعض وسائل الاعلام المحلية خبراً مفاده ان السيد هنري صفير اقام حفل عشاء على شرف الرئيس السابق ميشال سليمان، اعلن في نهايته "عن اطلاق قطعة كاتو، ستحمل تسمية الرئيس السابق ميشال سليمان وسيتم بيعها في شبكة لأحد محلات الحلويات المشهورة في لبنان".
[email protected]
أضف تعليق