ما جئتُ إلى دوما لأرثيكما وأبكيكما يا أيّها الشّهيدان، فالقراصنة الذين سلبوكما الحياةَ سرقوا الدّمعَ من عينيّ من كثرة تَكَسُّر النّصال على النّصال في عقودي السّبعة.
ما التقيتُ بكما من قبلُ وما زرتُ دوما التي أحجّ إليها اليوم ولكنّي أعرفكما كما أعرف راحتيّ يديّ فقد التقيتُ بكما في دير ياسين والدّوايمة والطّنطورة ودهمش والصّفصاف وعيلبون وعيلوط، وشاهدتكما والدّمّ يشخر من الأوردة ومن الصّدور ومن الرّؤوس في كفر قاسم وسخنين وشفاعمرو وصبرا وشاتيلا والحرم الإبراهيميّ وفي باحة المسجد الأقصى المبارك.
كان اسمكما ذات مرّة محمّد الدّرّة. وكان اسمكما في مرّة ثانية محمّد أبو خضير. وكان اسمكما في مرّة سابقة أسيل عاصلة. وكان اسمكما، وسوف يبقى اسمكما إلى أبد الآبدين ودهر الدّاهرين: فلسطين فلسطين.
القاتل يا دوما هو القاتل نفسه والسّفّاح هو السّفّاح نفسه. هو الذي اغتال غسّان كنفانيّ وماجد أبو شرار وأبا جهاد وكمال ناصر. وهو الذي اغتال أبا عمّار ياسر عرفات وأبا عليّ مصطفى وأحمد ياسين. وهو الذي اغتال كروم الزّيّتون وبيّارات البرتقال وزهر اللوز الأبيض.
القاتل هو ابن الاحتلال المدلّل الذي يغدقون عليه الأموال والعملة الصّعبة ويسمحون له باليد الطّويلة الآثمة ليعيث فسادًا وإجرامًا فيحرق المساجد والكنائس ويخرّب الحقول والكروم.
القاتل هو الوزير الذي يدعم زعران وأوباش الاحتلال، الذي يدعم وجوش الهضاب والتّلال.
القاتل هو رئيس الحكومة الذي يعتمد كرسيّه على المستوطنين وغلاة اليمين والمجرمين ويغطّي على أفعالهم السّوداء.
القاتل هو الصّحافيّ الذي يدعم المجرمين ويسوّق موبقاتهم.
القاتل هو الاحتلال البغيض، أسوأ احتلال عرفته البشريّة.
القاتل هو الاستيطان السّرطانيّ.
دوما، دومايَ، دومانا تقول للعالم من البيت الأبيض إلى البيت الأصفر فالأغبر فالأسود ولكلّ البيوت الآمرة النّاهية الآسنة، تقول لخواجا أوباما ولمستر بان كي مون ولمسيو أولاند ولبيبي ستر هرتسل في لندنن ولصبية الليكود في أوتاوا وبراغ، تقول بصوت واضح: انتقل الاحتلال من المجزرة إلى المحرقة. من مجزرة الحرم الإبراهيميّ إلى محرقة محمّد أبو خضير، ومحرقة دوما، محرقة عليّ وسعد وريهام وأحمد، محرقة عائلة الدّوابشة !
يا دوما الثّكلى!
في حروف اسمك دم يجري في عروقنا ويروي أرضنا، وفي اسمك وعد بإنهاء الاحتلال السّافل وكنسه من أرض شعبنا الطّاهرة، وفي اسمك أمل هذا الشّعب.
دوما، يا دومايَ، يا دومانا لن يضيع دمّ عليّ وسعد هدرًا.
رائحة الجلد الإنسانيّ المحروق الذي يذكّرنا بأفران الغاز ستطارد الغزاة القراصنة القتلة الوحوش التي تتدبّ على قائمتين إلى يوم الدّين.
من مسامات جلديكما يا عليّ ويا سعد نحوك علمًا ذا أربعة ألوان، ومن آهاتكم وسط اللهيب نلحّن نشيدنا الوطنيّ، ومن بريق عينيّ أحمد، الحيّ الباقي يشرق فجر الدّولة.
يا ولدي، يا حفيدي، يا أحمد سعد الدّوابشة... يعودك في سرير محرقتك أصناف وأشكال وألوان. يعودك من يشعر بتأنيب الضّمير، ويعودكَ من يشعر بالخجل، ويعودكَ من يريد أن يقول: أنا بريء من دمّ هذا الصّدّيق، ويعودكَ من يرغب بأن يحظى بصورة تذكاريّة للعلاقات العامّة، ويعودكَ من يريد أن يكذب على نفسه وعلى العالم ويبدو إنسانًا ولو كان مزيّفًا.
يا عليّ البريء الجميل !
حسنٌ أن يخجل بهذا العمل الوحشيّ الدّنيء السّيّد روبي ريفلين. وحسنٌ أن يدين هذا العمل السّافل بعض العقلاء من السّاسة ومن الصّحافيّين الذين صحا ضميرهم فجأة. ولكنّ الخجل لا يكفي والإدانة لا تكفي.
هذه المحرقة تقبول لكم،
رائحة جلد الطّفل عليّ المحروق تقول لكم،
صرخة سعد الطّالعة من محرقة المستوطنين، من فرن الطّغاة تقول لكم:
ارحلوا عن أرضنا !
مصّاصة الطّفل عليّ وزجاجة الحليب تصرخان: انصرفوا من هوائنا !
ألعاب الطّفل المحروقة وصورة والديه، في لباس العرس، المشعوطة على الجدار تقول: كفانا مجازر ومحارق وعذاب وقتل واغتيال وسجون وزنازين !
ترابنا يقول لكم: انصرفوا من هنا !
زيتوننا يصرخ من جذوره وسيقانه، من أفنانه وورقه وثماره: انقلعوا من هنا !
ماؤنا وهواؤنا وسماؤنا وندانا وزهرنا وعشبنا وصخرنا وترابنا وودياننا وسهولنا وسفوحنا وقمحنا وخبزنا وزيتنا يقول: انصرفوا ! احملوا شراشكم وارحلوا. احملوا مستوطناتكم وارحلوا. نحن نريد أن نعيش، ونريد أن نحيا، ونريد أن نفرح، ونريد أن نبتسم، ونريد أن نغنّي، ونريد أن نرقص كما يفعل النّاس، أطفالا شيوخا رجالا نساءً، من أبناء شعوب هذا العالم.
لا شعب في العالم أفضل من شعبنا.
لم يعد هناك وقت للتأجيل يا أيهّا المحتلّون.
ارحلوا وانصرفوا !!
ارحلوا وانصرفوا !!
ارحلوا وانصرفوا !!
[email protected]
أضف تعليق