من الطبيعي أن يكون التنوع والاختلاف مفيداً لأي نظام سياسي، والفلسطينيون أحوج إلى امتلاك خاصية الاستفادة من التنوع الواسع، لولا أن الاختلاف يصل إلى حد الصراع والانقسام، حينذاك يصبح الاختلاف والتنوع عبئاً على الشعب والقضية وعلى الحركة الوطنية. ومن الطبيعي، أيضاً، أن سياسة التحالفات، مرتبطة بالمصالح، وبعضها شبه ثابت حين يتعلق بالاستراتيجيات الكبرى، وبعضها الآخر متغير حين يتعلق بالتكتيك السياسي. النوع الأول من التحالفات يكون الحلفاء على قدر عال من الاستقرار، أما النوع الثاني فيتغير الحلفاء بين مرحلة وأخرى، الأمر الذي يجعلها خاضعة لمبدأ الفائدة المشتركة والاستثمار.
في الحالة الفلسطينية الأمر لا ينسجم وأية قواعد، ذلك أنها خاضعة لقيادتين وسلطتين ورقعتين جغرافيتين منفصلتين عن بعضهما البعض. لحركة حماس وسلطتها في قطاع غزة رؤية مختلفة لكيفية إدارة الصراع، والتحالفات، والتعامل مع الشعب، ولها مشروعها فوق الوطني حتى لو أنه ينطوي على بعد وطني تفرضه طبيعة العلاقة مع الأطراف المرتبطة بالصراع مع الاحتلال ومع الداخل الفلسطيني. ولحركة فتح، رؤيتها الوطنية ومشروعها الوطني، وأيضاً ميكانيزمات علاقتها بالشعب والقضية.
لكل طرف تحالفاته في الإطار الوطني الفلسطيني، بعضها على أساس فرز واضح، وأغلبها ينطوي على قدر من التداخل، نقصد أنه في الظاهر فإن منظمة التحرير الفلسطينية تشكل الإطار الوطني للفصائل التي خاضت مرحلة الثورة المسلحة، ولكن عند فحص الرؤى سنجد أن بعضها ينتمي سياسياً، أو هو أقرب إلى المنظور السياسي لحركة حماس، ولكنه أقرب إلى المنظور الاجتماعي لحركة فتح.
هذا التداخل يخلق في الواقع خطوطاً حمرا، لحركة بعض الفصائل وتشل قدرتها على الحركة في مربعات البحث عن ممكنات التأثير في سياسات ومواقف الحركتين الرئيسيتين فتح وحماس.
في الضفة تشرف حركة فتح على مشروعها، وتحاول تجنيد أجهزتها وأجهزة السلطة الأمنية والمدنية، للمحافظة على تجربتها وإمكانياتها لكن حركة حماس لا تملك حتى الآن مشروعاً في الضفة، ويبدو أنها تسلم بالأمر إلى حين ما يجعل إدارة السلطة للضفة مرتاحة الى حد ما، والاحتلال هو مصدر القلق والخطر والإزعاج.
في قطاع غزة حركة حماس وأجهزتها الأمنية والمدنية تشرف هي الأخرى على مشروعها من منظورها الخاص، وهي مستعدة لأن تفعل كل شيء من أجل المحافظة على تجربتها ودورها دون أن تخشى حركة فتح في القطاع، ذلك أن حركة فتح لا مشروع لها في القطاع. هذه الوضعية التي تشير إلى وجود مشروعين ورؤيتين وأداتين، ليس فيهما مكان لفعل مؤثر من قبل الأطراف الأخرى بين الحركتين، تعبر عن نفسها في ميدان العلاقات الخارجية بما ينسجم مع المشاريع الداخلية، وما يتصل بذلك من حركيات تستدعي التغيير. حماس تحاول صياغة تحالفات خاصة بها ومن منظورها الخاص، وقد لاحظنا كيف تحركت هذه التحالفات والعلاقات خلال مرحلة الانقسام إلى أن استقرت على استعادة العلاقة مع السعودية كعنوان لدول الخليج، وعنوان لما يمكن اعتباره تحالفاً سنياً في المنطقة. محاولاتها في أن تجمع بين نقيضين هما إيران والسعودية، لم تنجح، وإن كانت هذه هي رغبة الحركة، فطالما لديها قدرة على الفعل والتأثير كحركة، فإن كل طرف سيحاول اجتذابها لصالحه. يجري ذلك لأن القضية الفلسطينية لم تعد، القاسم المشترك للمحيط العربي والإقليمي، بعد أن أصبحت القطريات العربية مهددة، وتكالبت على المنطقة استراتيجيات المصالح. لكن هذا الفعل من قبل حركة حماس لا يمكن أن يكون بدون مخاطر وأثمان تدفعها الأطراف الأخرى في الساحة الفلسطينية والأرجح على حساب القضية، خصوصاً وأن مثل هذه التحالفات مرتبطة بالسعي من أجل الشرعية والتمثيل، طالما أن الانقسام قائم. وفي المقابل ومن موقع الإدراك بأن القضية الفلسطينية لم تعد في الظروف الراهنة القاسم المشترك حتى للعرب، وان القطريات العربية تسعى وراء مصالحها الخاصة، فإن القيادة الفلسطينية وقيادة فتح على وجه الخصوص، تتجه نحو استعادة العلاقة وتقويتها مع إيران القوية، وصاحبة النفوذ في المنطقة. من المؤكد أن قيادة حركة فتح، ستفشل هي الأخرى، في أن تحافظ على علاقة قوية مع النقيضين، السعودية وإيران، وسينجم عن ذلك أيضاً مخاطر وتداعيات لا تقف عند حدود مكايدة حماس ومحاصرة مشروعها. في هذا الزمن، لن تشفع للفلسطينيين سياسة عدم الانحياز وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ومع الأسف فإن هذا المبدأ يطبق حتى في العلاقة مع إسرائيل. الأوضاع في المنطقة تندفع بقوة نحو حدية سواء فيما يتعلق بالمصالح، أو فيما يتعلق بالتحالفات، ولكن الانقسام الفلسطيني يجعل القضية الفلسطينية خاسرة في كل الأحوال، وطالما أن التحالفات لا تقوم على أساس المبادئ وإنما على أساس المصالح ما يجعل الأطراف الخارجية تنظر لعلاقاتها مع الأطراف الفلسطينية المختلفة من باب التوظيف والتجنيد والاستخدام. والسؤال هو أوَ بعد ما يفعله الفلسطينيون بأنفسهم يجعلهم أخلاقياً في موقع المنتقد والشاكي على الآخرين؟
[email protected]
أضف تعليق