يقف الانسان أمام أحداث متسارعة مريعة ، لا يستطيع أن لا يفكر بها ،حتى لو تجاهلها ، فالمثل العامي يقول : " غيب عن العيون ، بتغيب عن الذهون " ، والمسألة أن ما دام هذه الاحداث لا تغيب عن العيون ، والاسماع ، في كل وسائل الاتصال والتواصل ، فلن تغيب عن ذهون الا أصحاب الأذهان المخدرة . فنقف أمام الأحداث والحوادث التي هي واقع في اليوم ، وهي تاريخ في المستقبل ، سوف تقرأه الاجيال ، وربما تدرسه في مدارسها ضمن مادة التاريخ ، التي سيجدها البعض مملة متعبة ، والبعض قصص مشوقة ، والقليل من سيجد فيها سنة كون متجددة ، "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" . نقف امام هذه الاحداث المهيلة بين سؤالين : ماذا ولماذا ؟ ، والحكمة أن نسأل سؤالا جديدا ، لنحدد المفيد لنا ، والسؤال المستحق للبحث له عن اجابة . فأي السؤالين يفيدنا أكثر ؟ "ماذا" نفعل في غمرة احداث العالم ؟ أم أن المفيد أكثر أن نسأل : "لماذا " تحدث هذه الاحداث ؟ لتقريب الصورة اكثر ، لنسرد بعض الاحداث المؤثرة في تفكيرنا ، والمنغصة لحياتنا ، والمحيرة لعقولنا، والمحزنة للقلوب :

- المسجد الاقصى المبارك ، وما يدور حوله من خطوب :
- اقتحامات يومية ، اعتداء على حرمة المكان وتدنيسه ، الاعتداء على حدوده ، على الاتفاقيات الدولية ، على حق العبادة والصلاة ، على حق الانسان في التعبد ، الاعتداء على نسائه ورجاله ، الاعتداء على تاريخه بالتزييف ، الاعتداء على حراسه ومدرسيه وزواره !
- تنظيم الدولة الاسلامية ، وكل ما يدور حولها من شبهات :
- اخبار يومية وبتقنية عالية ، من النقيض الى النقيض ، بين اعلام خاص يقدم تنظيم الدولة على انه صرح الخلافة المنتظر والرايات السود ، وبين اعلام عالمي يوافقه ثلة من علماء الأمة الذي يصفهم بالقتلة المجرمين ، في فهم خاطئ لمعنى الاسلام والجهاد والخلافة ، البعيد عن فقه الواقع ، وعلى انهم زمرة من العجم الذين خرجوا من ظلم جاؤا لينتقموا في عنوان خاطئ ممن ظلمهم يعبرون عنه باساءة واضحة للانسانية قبل الاساءة للاسلام والمسلمين .
- غزة وحماس وفضائح العرب والعجم والانسانية :
- نقلات سريعة في تاريخ فلسطين ، وانشقاقات واسعة في هوية الفلسطيني ، واستقطابات اقليمية ، بعضها نحو الممول ، وبعضها حول الملهم للايدلوجية ، وبعضها نحو ممول الفساد ، والفلسطيني البسيط يرتقب نصر الله القريب ، وان زاد ايمانه اكثر صبر نفسه بحديث لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، ونفض يده من ثقته بقادة لم يقدموا قضيته الا في زيادة عدد المعتقلين السياسيين ، وعدد الفقراء والمتسولين على جميع الاصعدة والمستويات .
- مصر الاخوان والسيسي ، وكنانة الله التي امتلأت رؤوسا بدل السهام :
- انقلاب على شرعية ، واستباحة اعراض ودماء ، وارضاء للصهيونية ، وتزييف لتاريخ مصر أم الدنيا ، ليصبح من يقف على رأسها من لا أم له ، ولا وجهة له الا الدنيا ، ودروس في تاريخ الدولة العميقة لفهم معنى لعبة الدول ، والدمى المربوطة من كل اعضائها بحبال عربية وغربية ، واقصاء للاخر وان كان لا يتحرك فيه الا اللسان.
- الجرح السوري والربيع العربي والمد الفارسي :
- بين فكرة الممانعة ، والعقل الفارسي ، والمصلحة الروسية ، والافساد اليمني ، تكشف بعض اوراق التوت عن ثورات مضادة باساليب قديمة حديثة للتصدي لكل ثائر ظن ان الربيع العربي هي النجاة في ظل حكومة عالمية اسمها المصالح فوق الدماء وفوق الشرائع والشرعية والضمير الانساني .
- مانيمار - بورما - والتطهير العرقي :
- بين ان يكون ذبح عرق معين من البشر وجهة نظر او شأن داخلي ، وبين ان يلجم الاعلام عن اظهار ابشع المجارز بعرق معين وتضخيم الاعتداء على عرق اخر ، يضيع دم المسلم وان كان لا يعرف من الاسلام الا الاسم ، فيضحى به في سبيل محو الاسم المرعب المخيف في فوبيا عالمية تضطهد اسم اشتق من السلام الذي يتغنى فيه العالم .
- الرعب الداخلي ، والحصون المهددة من الداخل :
- يتمثل الرعب الداخلي بالمرض وانواعه الذي يهجم على الافراد من كل حدب وصوب ، ويتمثل بالعقوق وتفلت الاجيال والتسرب الدراسي ، والحيرة التي تعم البيوت والازواج بين السكينة ، والاضطراب في تحديد الهوية واولوياتها .
في مثل هذه الملمات ، نعود للسؤال : لماذا ؟ أم ماذا؟ فمن هو الأولى ؟ ان ابحث عن اجابة لماذا يحصل معنا ومِن حولنا وبنا كل هذا ؟ أم أن نسأل ماذا نفعل على اثر حصول كل ذلك ؟
أنا لن أملي على القارئ ما يفعل ، انما سأعرض انواع رد الفعل ، ومن خلالها يكتشف القارئ اين نوع يناسب ردة فعله ، فيقوم بالاجابة عن سؤال : ماذا سأفعل اتجاه كل ما يجري حولي ، ليكون هو جزء فاعل من الاحداث وليس مفعولا به .
تتنوع ردات الفعل فمنها الرفض : وهو أن يتظاهر الشخص أن المشاعر و الأفكار و الأحداث المؤلمة غير موجودة, عن طريق رفض الواقع, وتعتبر ردة الفعل هذه بدائية لأنها مطورة من شخصية الأطفال. اما التراجع وهو نوع اخر من ردة الفعل : وهو العودة لتصرفات بدائية عند مواجهة الأفكار غير المقبولة, كأن يرفض شخص النهوض من الفراش و التفاعل مع المجتمع بسبب تعرضة لضغط شديد,عادة ما يلجأ لهذا التصرف الشخص المتعرض لغضب و خوف شديدين. أما المبالغة: هي ردة الفعل الزائدة عن المطلوب, كالصراخ للتعبير عن الغضب أو رمي وضرب الأشياء, وعادة ما يلجأ الشخص للمبالغة لتخفيف الضغط عن نفسه, و أن يؤذي الشخص نفسه يعتبر من المبالغة أيضا.الانفصال عن الواقع: هو عندما يحاول الشخص إيجاد نفسه بظروف أخرى خيالية, و في حالات متطورة قد يعتقد الشخص بأن له أكثر من شخصية. الإسقاط: هو أن يلصق الشخص أفكاره و إحساسه غير المقبول أو ما يشعر به من حرج على شخص أخر, كأن يتسلح باللوم والنقد والبحث عن شماعة لتعليق عليها المصاب . إعادة صياغة ردة الفعل: هو أن يغير الشخص أفكاره التي يشعر أنها خطيرة و لا يرغب بها, على سبيل المثال, قد يتصرف موظف غاضب من مديره و لا يريد أن يستمر في العمل بكرم و لطف مع مديره و يشعره أنه يريد أن يستمر في عمله. وهناك من يتمحور رد فعله بالعدوانيه والتخريب التهديد المشاجره الصراخ نوبات غضب والتمرد . وهناك من يعيش القلق والشعور بالنقص وآخر يعيش الانزواء والانعزال .
ان ردود الافعال المذكورة هي بعض نماذج كغيض من فيض ، يجد القارئ نفسه امام ابداعه وتفكيره في ابتكار اي طريقة تناسب فهمه وواقعه ونظرته المستقبلية . ومن هنا اناشد اصحاب العقول والافكار ان يبحثوا عن اجابات مفيدة لسؤال : ما هي ردة فعلنا اتجاه ما يدور حولنا ، خير من البحث عن اجابة : لماذا يُفعل بنا ذلك ؟

** الكاتب مدير مركز الشيخ نمر سلفيتي للتدريب والعلاج بالقرآن الكريم
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]