ها قد انتهى رمضان الخير والبركة بسلام ولله الحمد، وانتهت معه برامجه ومسلسلاته بطيّبها وغثيثها، والتي تزداد عامًا بعدَ عام.

في العام الماضي كنتُ قد كتبت مقالين قصيرين في برنامجي "خواطر" 10 لأحمد الشقيري و"خطوات الشيطان" 2 لمعزّ مسعود، وبصراحة كان التفاعلُ مقبولًا لما كُتب، وبفضل الله صدقت رؤيتي في الكثير مما كتبت.. واستطعت ايصال ذلك للشقيري شخصيًا، وعلى الأقل كان ما رأيتهُ يومها حاضرًا في الموسم الأخير، طبعًا لست ساذجًا ولا حالمًا لأقول أنني كنت السبب، أقول إنّ وجهة نظري كانت شبه مطابقة إلى ما توصّل إليه الشقيري في قراره فقط، ولا أزيد على ذلك.

وعليه قررت أن أكتب هذا العام بشكلٍ موسّع عن معظم ما اجتهدت أن أشاهده من برامج دعوية نهضوية وإسلامية تحترم عقل المشاهد، وأن أطرح وجهة نظري الإيجابية والسلبيّة، من أجل أن نكوّن ثقافة مشاهدةٍ ايجابية تعرف ما يدور في رحى هذه البرامج وما هي الأساليب التي استعملت في انتاج برامج كهذه، وعليه أنوّه أن ما أكتبه هو مجرد وجهة نظر تصيب وتخطئ، لكم الحرية في قبولها أو ردّها عليّ.

سأتناول أسبوعيًا الحلقات التالية: ومحياي 3 للدكتور وليد فتيحي، علّمني موسى- د. سلمان العودة، خواطر11 لأحمد الشقيري، سواعد الإخاء3، قصة وفكرة- د. طارق سويدان وبرنامج أقنعني- د. علي العمري.

برنامج ومحياي 3 – د. وليد فتيحي

مرحبًا بكم في أفضل البرامج الدعوية على الإطلاق، وهنا أتكلّم عن الأسلوب الإخراجي الذي اعتمده المخرج الفذّ حمزة جمجوم، والذي بالمناسبة لم يتجاوز عمره الـ 25 عامًا. جمجوم مخرج مبتعث في الولايات المتحدة الامريكية، يدرس الإخراج السنيمائي هناك، وقد شارك في العديد من مسابقات الأفلام العالمية الأجنبية، ويبدو أنه شغِف ومتأثر جدًا بالحضارة والفن الغربي، وهذا ما انعكس على أداءه في "محياي3".

"خمسون عاماً مضت من حياتي، اكتشفت بعدها أنّي لم أُجِب على السؤال الأهم : مـن أنــا ؟!"، هكذا افتتح الفتيحي موسمه الجديد. المتابع للمواسم السابقة لسلسلة "محياي" يلحظُ سلاسة طرح المواضيع فيها، حيث اعتمد مقدّم البرنامج د. وليد فتيحي على السرد العلمي واللطيف المباشر مع العقل، فاختصّ من خلال سلسلته بشرح مواضيع التركيبة النفسية للإنسان -"الأنا"- بصورةٍ علميةٍ جديدة، ثمّ ربطها بشكلٍ ذكيّ ونصٍ مُحكم بشعائر الدين الإسلاميّ الحنيف.

لقد تميّز هذا العام عن سابقيْه بالسينما الهولودية المشبّعة بالإيحاءات والرمزيّات الاحترافية، وتم تصوير كامل الحلقات في اوروبا، واستعان بطاقم عمل وممثلين أجانب رغم أن جمهور الهدف يقع ضمن حدود الشرق الأوسط بشكل خاص.

لقد وعى جمجوم وفريق عمله استحضار السينما في حياة الجيل الشاب الجديد، وراعى شغفه بالحضارة الغربيّة، فحاول أن يخرج عن النمطيّة المتّبعة لدى الدعاة وصانعي البرامج من النجوم الدعاة وصنع سينماهُ في هذه البيئة الجديدة نسبيًا. لن أعتبر هذه الخطوة بمثابة التفكير خارج الصندوق فقط، إنما تحطيٌم هي للصناديق كلّها!

قد يرى البعض في ذلك تنازلًا أو انسلاخًا عن الواقع والثقافة العربيّة الشرقية، وربّما أتفق في ذلك إلى حدٍ ما، لكنني أرى أن جمهور "محياي" ربّما يكون جمهورًا نخبويًا خاصًا، حساسٌ وذوّاقٌ للجمال، محبٌ للرموز والبديهيات السنيمائية الخلّابة، وربّما لبّى الفتيحي له ذلك.

لا شكّ أن إنتاج مثل هذه البرامج مُرهقٌ جدًا، مرهق للميزانية وللجهود، مع ذلك لا أراها سوى بزوغ فجر جديدٍ مليءٍ بالأمل في إحياء ثقافة المشاهدة وصناعة الميديا الاحترافية، سواء كان ذلك على صعيد الأفلام السينمائية العالمية برؤية عربية إسلامية ملتزمة، أو على صعيد البرامج الدينية والخطاب الديني المتجدد.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]