في بحث حاول المسؤولون معرفة السبب الرئيسي للنجاح عند الأولاد في المدرسة، وكان السؤال هل مستوى الذكاء، ام الموهبة، ام المرتبة الاجتماعية للأهل، ام الحظ هو سبب النجاح. تبين ان لهذه الأسباب كلها مساهمة في نجاح الولد لكن السبب الأكثر تأثيرا هو: "الإصرار والتحكم بالذات". فقوة الإرادة والصبر يعتبران مؤشران جيدان للتنبؤ في النجاح الأكاديمي أكثر من نتيجة امتحان الذكاء ال I.Q. ، وايضا في التنبؤ أي من الطلاب سيحسن علاماته خلال السنة الدراسية القادمة.
وقد وجدت عالمة النفس أنجيلا داكوورث في أعقاب دراسة أجرتها ومن خبرتها الشخصية كمعلّمة في المدارس العامة في نيويورك، أنّ القدرة على التكيّف مع الضغوط والتغلّب على الفشل هي المؤشّر الأفضل للنجاح المستقبلي.
"فوجئت عندما اكتشفت أنّ ال I.Q. لا يشكّل الفارق الوحيد بين تلميذي الأفضل وتلميذي الأسوأ"، هذا ما قالته مؤخرا في خطاب قدّمته في إطار مؤتمر TED (مؤتمر أكاديميّ سنوي يهتم بموضوعات العلم، الفنون، التصميم، السياسة، التعليم، الثقافة، الأعمال، التكنولوجيا وغيرها). "لم يكن لدى جزء من التلاميذ ذوي العلامات الأفضل علامات IQ فوق المعدل، في حين أنّ بعض تلاميذي الأذكى لم ينجحوا كثيرا"، كما تقول داكوورث.
توقّفت داكوورث عن عملها كمعلّمة لصالح دراسة اللقب الثاني في علم النفس، ودرست خلالها من هم الأشخاص الذين حظوا بالنجاح في الأكاديمية العسكرية "ويست بوينت"، هذه المرة أيضًا اكتشفت أنّه لم يكن بالذكاء الاجتماعي، بالمظهر الجذّاب، بالصحّة البدنية أو باختبار الذكاء IQ، وإنما بالتصميم.
كيف ننمّي التصميم؟
درست داكوورث مع د. مارتين زليجمان مستوى الانضباط الذاتي والـ IQ لـ 164 تلميذا في الصفّ الثامن، وكشفا عن النتائج في مقال حظيَ بعنوان "الانضباط الذاتي يتغلّب على الـ IQ في توقّع الأداء الأكاديمي للمراهقين". وقد وجدوا "أنّ الانضباط الذاتي يمثّل مؤشّرا أفضل للأداء الأكاديمي من نتائج اختبار الذكاء IQ. ساعد الانضباط الذاتي في توقّع أي طلاب سيحسّنون من علاماتهم خلال السنة الدراسية، مقارنة مع اختبار الذكاء IQ".
والسؤال الذي بقي مفتوحا هو: لماذا يوجد التصميم لدى أشخاص معيّنين ولا يوجد لدى آخرين؟ "ما أعلمه حقّا هو أنّ الموهبة لا تجعل الناس مصمّمين"، قالت داكوورث في خطابها في TED. "تشير البيانات التي جمعناها بوضوح إلى أنّ هناك العديد من التلاميذ الموهوبين الذين لا يستنفدون إمكانيّاتهم. في الواقع، فإنّ التصميم غالبًا غير مرتبط أو متّصل بشكل سلبي بمؤشّرات الموهبة".
بحسب كلامها، هناك طريقة واحدة لتنمية التصميم وهي مساعدة الأشخاص على فهم أنّ مهارات التعليم ليست مقرّرة سلفًا، وأنّ هناك حياة بعد الفشل.
في أحد الأبحاث تم تقسيم الطلاب الى مجموعتين، لكل مجموعة اعطيت مهمة لكل واحد من الطلاب الذين ضمن كل واحدة من المجموعتين، الطلاب الذين نجحوا في اداء المهمة في المجموعة الأولى تم تشجيعهم من خلال اعطائهم صفة عامة مثل: "انت شاطر"، "انت ذكي".. اما الطلاب في المجموعة الثانية الذين نجحوا في اداء المهمة تم مدح الجهد الذي قاموا به: "احسنت لقد اجتهدت كثيرا لذلك نجحت". بعد ذلك تم اعطاء الطلاب في المجموعتين مهام أخرى اكثر صعوبة.. نسبة الطلاب في المجموعة الثانية الذين نجحوا في اداء المهمة كانت أكبر من المجموعة الأولى.. والسبب هو ان هؤلاء الطلاب فهموا من خلال التشجيع انهم نجحوا ليس لأنهم اذكياء بل لأنهم مجتهدون، وعندما اعطيت لهم مهمة اصعب عرفوا انهم يجب ان يجتهدوا أكثر. اما طلاب المجموعة الأولى فقد فهموا أن النجاح مرتبط بالذكاء وعندما اعطوا مهمة اصعب لم يكن لديهم امكانية لزيادة ذكائهم في تلك اللحظة.. الخلاصة اننا نتحكم في جهدنا ولا نتحكم في مستوى ذكائنا، فاذا ربطنا النجاح مع الجهد فهم الولد انه اذا واجه صعوبات فعليه ان يجتهد أكثر.. لذلك يجب مدح الجهد الذي يقوم به الولد وليس مدح الولد نفسه.
طريقة أخرى لتطوير القدرة على التصميم والإرادة عند الأولاد هي قول لا للطفل، إن قول "لا" للطفل او الولد ليس فقط انها تحقق هدفا محددا وآنيا (مثل أكل الحلوى) ولكنها ايضا تحقق اهدافا بعيدة المدى حيث انها تشكل تمرينا قويا لتقوية الإرادة عند الطفل الأمر الذي له اهمية كبيرة على تتطور ونجاح الطفل في المستقبل. إذا لم تقل لابنك "لا" حيث كان يجب أن تقول "لا" فقد حرمته من أن يطوّر ملكة الصبر.. وما أتعس مستقبله بدون الصبر.. فالصبر هو الملكة التي لا يمكن أن يتقدم أو ينجح الإنسان دونها مهما بلغ من الذكاء والشطارة.
[email protected]
أضف تعليق