لسوء حظّ الإنسان لا يَشعر أنه مصاب بمرض عُضال لشدّة خُبثه، فيَجري في أوردته زمنًا طويلاً، حتّى يستقرّ بعضوٍ من أعضاء جسده، فيتغلغل فيه، يُصارع خلاياه، إلى أن يشعر بالألم، فيكون تشخيص المرض متأخّرًا، لاستفحاله به، ويضع للإنسان حاجزًا صحيًّا، إما يفتحه له، ليُكمل طريقه نحو حياة أفضل، وإمّا يعتقله حارس الموت، وهذا ما حصَل مع الرّاحلة إيناس خوري التي حاصرها المرَض مدّة طويلة، وأبى أن يرفع حصاره عنها، مع أنّها قاومته بلا هوادة، لكنه كسَر إرادتها القويّة.
تمَعّنت جيّدًا في الصورة التي نُشِرت عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لم أُصدّق أنّها هي، اعتقدتُ أنّها شبيهتها، فقلتُ غير معقول أن تكون تلك التي عرفتها منذ سنين طويلة، فكانت تُداعب أوتار اللحظات بأنامل حيويّتها، لتسمع معزوفة التفاؤل. آلمني بل صدَمني خبر وفاتها بهذا المرض اللعين، لم يخطُر ببالي أن يحتلّ وطن جسدها، إلى أن زَعزع كيانها... حطّم سرير آمال أسرةٍ دافئة، كانت تنام عليه بهدوء.
قطَفَتْ إيناس عناقيد اللطافة من كَرم أهلها المحاط بالحنان والتربية الصّالحة... فاكتسبت منهم أهم صِفة وهي البشاشة، التي كانت الرّاعية الأساسية لحُسن تعاملها مع الآخر، فجَذَبَت إليها جميع من عرفها. ملامحها الوادعة كانت دليل إنسانيّتها غير المحدودة... حديثها الرّصين كان واجهة أخلاقيّة لَبِقة، مُزيّنة بأشقّاء تعلّموا معنى الاحترام، لم يتركوها في محنتها، وقفوا مع صِهرهم ودعموه، لأنهم اعتبروه فردًا من عائلتهم، ولم يكُن مجرد صديقٍ لهم. الرّاحلة إيناس ارتبطت ارتباطًا أبويًّا روحيًّا بعائلة زوجها التي أحبّتها وجعلتها ابنتها الوحيدة، وشَكّلت امتدادًا لمرحها وطيبتها، فاعتبرت الأُلفة المفتاح الذي فتح لها باب السّعادة والمودّة على مصراعيه.
إن الصورة التي قدّمتها، هي صورة الرّاحلة إيناس كما عكَسَتها لي مرآة ذاكرتي، تغطّيها ستار الذّكريات الذي سيبقى معلّقًا على حِبال الذّاكرة مدى العُمر، فرحيلها ترك أثرًا اجتماعيًّا عميقًا في نفوس جميع من عرفها، لأنّها أحَبّت الحياة... برحيلها تركَت إرثًا عائليًّا ثمينًا لا يُقَدّر بثمن، ليَفرضَ على أولادها أن يدفعوا ضريبة فراقها عنوةً، وأصبحت بنظرهم ذكرى سنويّة أليمة، وفرَضَ الزّمن على إيناس أن تَشتري قسرًا تَذكرة الوداع باكرًا، حتّى تستقبلها السّماء عروسًا تتربّع على عرش الحياة الأبدية.
[email protected]
أضف تعليق