على مدى أشهر طويلة، لم تنجح الحكومة التركية في تأمين تأييد دولي لرغبتها في التدخل بالحرب السورية، تحت عنوان إقامة منطقة حظر جوي أو منطقة عازلة، لا بل وجدت نفسها مع تطور الأحداث أمام أزمات متعدّدة، أبرزها ظهور معالم كيان كردي على حدودها، بالإضافة إلى إتهامات بالوقوف وراء دعم المنظمات الإرهابية.
وسط كل ذلك، جاءت نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة كارثية على حزب "العدالة والتنمية"، حيث فشل في الحصول على نسبة أصوات تسمح له بتحويل نظام الحكم إلى رئاسي، يكرس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "سلطانا" مطلق الصلاحيات، أو على أغلبية نيابية تؤمن له تشكيل الحكومة المقبلة منفرداً، لكن المفاجأة كانت من خلال التفجير الإرهابي، الذي وقع بالأمس في مدينة سروج الحدودية، بعد أيام قليلة على إطلاق حملة أمنية في البلاد هدفها ملاحقة عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
في هذا السياق، تلفت مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، إلى أن البارز في هذا العمل الإرهابي، هو أنه جاء بعد تهديدات أطلقها "داعش"، بسبب ملاحقة السلطات التركية عناصره واعتقال من يشتبه بانتمائهم له، في إشارة إلى تطور على صعيد العلاقة بين الجانبين، بعد أن كانت الإتهامات توجه إلى أنقرة بالتغاضي عن أعمال التنظيم، وتشير إلى أن سبب الحماسة التركية الجديدة يعود إلى الضغوط الدولية التي تمارس عليها، لا سيما مع تعاظم أزمة المقاتلين الأجانب، الذين يقلقون الدول الغربية التي تعقد المؤتمرات من أجل البحث عن حلول لها.
وترى المصادر نفسها أن هناك بعض المعطيات التي ينبغي التوقف عندها من أجل فهم خلفيات هذا الحادث، أولها وقوع الإنفجار في منطقة تقع على الحدود السورية التركية، ثانيها إستهدافه تجمعاً كردياً يسارياً معارضاً لحزب "العدالة والتنمية"، ثالثها أن هذا التجمع كان يتحضر لزيارة يقوم بها إلى مدينة عين العرب السورية، التي قهرت تنظيم "داعش"، بهدف المساعدة لإعادة إعمارها، في حين أن تركيا تعتبر أن الجماعات الكردية المتواجدة في الجانب الآخر من الحدود تمثل تهديداً كبيراً على أمنها القومي.
بالنسبة إلى هذه المصادر، لا يمكن إغفال حقيقة أن أنقرة من أكبر المستفيدين من التفجير الإنتحاري، سواء كانت متعاونة مع الجهة المنفذة أم أن الأخيرة تريد الإنتقام منها، حيث يقدم لها مبرراً أساسياً للإنتقال إلى خطتها الأساسية القاضية بالتدخل العسكري في الحرب السورية من جهة، بالإضافة إلى أنه يشكل رسالة واضحة إلى الأكراد بأن المعركة معهم مفتوحة من جهة ثانية، لا سيما أنه جاء بالتزامن مع تفجير آخر إستهدف مدينة كوباني، ما يعني أنه يحمل في طياته تنبيهاً بأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال.
وتشير هذه المصادر إلى أن الخطر الأساس، بالنسبة إلى الرئيس التركي الحالي، يتمثل بقوات "حماية الشعب الكردي" التابعة لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني"، وهو يفضل وجود "داعش" على حدوده أكثر من وجود هذه القوات، وتذكر بأنه قاد قبل فترة قصيرة حملة هدفها النيل منها، بعد سيطرتها على مساحة واسعة من الحدود الفاصلة بين البلدين.
وفي حين تشدد المصادر المراقبة على أن العلاقة بين التنظيم الإرهابي والحكومة التركية ملتبسة منذ البداية، تدعو إلى الإنتظار بعض الوقت من أجل فهم تطور الأوضاع في المستقبل، خصوصاً أن قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب أرسلت في الأيام الأخيرة إشارات برغبتها في شن حملة عسكرية على معقل "داعش" في مدينة الرقة السورية، الأمر الذي يتطلب تعاون أنقرة على أكثر من صعيد، كونها شريك في حلف "الناتو"، وتؤكد بأن هذا الأمر سيجعلها هدفاً لعمليات إرهابية أكبر في المرحلة المقبلة، وتشير إلى أن التفجير قد يدفع أنقرة إلى تحريك قواتها العسكرية بالتعاون مع قوات التحالف التي لا تفارق طائراتها الأجواء.
في المحصلة، لا يمكن قراءة المواضيع بظاهرها فقط، فالكثير من الحروب والعمليات العسكرية تخاض تحت غطاء حجج يتم الإعداد لها مسبقاً، والمفارقة بأن دور تركيا في الأحداث السورية، لا سيما لناحية دعم مختلف الجماعات المسلحة، يرجح إحتمال أن يكون التفجير الإرهابي شمّاعة لا أكثر.
[email protected]
أضف تعليق