الوقفة الأولى... الاحتلال عبر التاريخ.
عصرتُ دماغي حتى الإعياء محاولا أن أستل منه حالة تاريخيّة سطا محتلّ فيها على أعياد ومناسبات محتل قرر أن يبقى على ما كان عليه، فلم يسعفني مخزون دماغي بإيجاد هكذا حالة. صحيح أن كل احتلال بغيض ويعاني منه المحتلّ الويلات، ولا يعرف التاريخ احتلالا عادلا وأيّا كان هذا الاحتلال ودواعيه، نشر دين الله كان ودواعيه أو عودة إلى وطن موعود من قبل الله، أو تحرير أراضي الله.
رغم ذلك ورغم ما كابده المحتلّون من ويلات، إلا إن أولئك منهم الذين اختاروا أو تحملّوا أن يبقوا على تراثهم، وحتى لو كانوا قلّة، فقد فعلوا ذلك ومارسوا بشكل أو بآخر طقوسهم وعاداتهم وإن بحذر وفي كثير من الأحيان بسريّة دون تدخلّ من المحتل، ولنا في أصقاع الأرض أمثلة كثيرة، واختلف طبعا الأمر بين احتلال قديم واحتلال حديث تاريخيّا. ودون أن نغوص عميقا في التاريخ ومناطق العالم المختلفة، فلنا في الشرق أمثلة كثيرة عرقيّا ودينيّا ومذهبيّا، من البهرة في الهند عبر الأشوريّين في العراق والدروز والموارنة في سوريّة والأقباط في مصر والأمازيغ في المغرب العربيّ.
الوقفة الثانية... الدروز وإسلامهم.
أنا إنسان علمانيّ ولا مشكلة لي مع مؤمن وأيّا كان إيمانه، إلا حين يروح يصنفني وغيري من بقيّة الناس بناء على إيمانه انتقاصا منّي ومنهم، ومع ذلك ورغم أنف أحمد بن تيميّة وأبنائه وأحفاده، فالدروز موحّدون مسلمون، ورغم أنف هرتسل وأبنائه وأحفاده، فالدروز عرب أقحاح.
كمسلمين مارسوا الشعائر الإسلاميّة وإن من خلال اجتهاد خاص بهم في تفسير القرآن، فمثلا في الحياة الاجتماعيّة امتنعوا عن تعدد الزوجات بناء على تفسير عَجْز الآية القرآنيّة "وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" تفسيرا آخر، وهو أن العدل من صفات الله ولا يستطيع الإنسان ومهما كان أن يشارك الله في صفاته. وفي ركن الصوم في رمضان قالوا، أن الصوم هو الصوم عن كل ما لا يرضي الله من أقوال وأعمال، ومع هذا فقد باركوا رمضان وعيّدوا وما زالوا الفطر بالتقرّب أكثر من الله.
وكعرب مارسوا عروبتهم وعبر التاريخ في أبهى تجليّاتها، ويكفينا أن نذكر أن في الثورة العربيّة الكبرى عام 1916 والتي قادها الشريف حسين انطلاقا من الحجاز، لم ينتظر الدروز وصول الجيوش العربيّة تخوم سوريّة بل راحوا لملاقاتهم في العقبة وساهموا في تحريرها من الطغاة العثمانيين (نعم طغاة رغم أن البعض اليوم يحنّ إلى أفضالهم)، وطلائعهم هي التي رفعت العلم العربيّ على قلعة دمشق، ولعلّ في الثورة العربيّة السوريّة الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان الأطرش نبراس آخر.
الوقفة الثالثة... صراع الروايات.
أحد الفروق الكبيرة في الصراع ما بين الرواية الفلسطينيّة والرواية الصهيونيّة، أن غالبيتهم قادة وعامّة تعرف كلّ صغيرة وكبيرة في روايتهم، وأقليتنا قادة وعامّة تعرف ذلك عن روايتنا، وهذا من أسباب انتصارهم وهزيمتنا. القلّة منّا يعرفون أن حايّيم وايزمن زار فلسطين عام 1920 والتقى الكثير من الزعماء العرب، وقبل أن يغادر وجّه الدائرة السياسيّة في المنظمة الصهيونيّة أن تضع دراسة استراتيجيّة حول كيفيّة العمل للحدّ من اعتراض العرب على الهجرة اليهوديّة، وفعلا فعلت ذلك وأحد أركانها كان: "رصد الخلافات بين الطوائف العربيّة وتنميتها وإيجادها حيث لا توجد". وهكذا كان واستمر بعد ال-48.
لظروف تاريخيّة لا مجال للدخول فيها بتوسع في هذه العجالة، استطاعت الصهيونيّة ووليدتها الحديثة إسرائيل، وبالاتكاء على بعض الزلم دقّ إسفين بين الدروز وبقيّة العرب، وأحد هذه الأسافين الحادّة والمسمومة الرأس كانت السطو على عيد الفطر في بداية الستينات ونزع الاعتراف به كعيد للدروز، ترسيخا للخطّة لفصلهم عن امتدادهم الإسلاميّ والعربيّ وانطلاقا من الاستراتيجيّة آنفة الذكر، وبالتالي ضرب أهم موطن قوة لنا كفلسطينيّي البقاء، وهو وحدتنا.
الوقفة الرابعة... التصدّي.
أنّ لم تخنّي الذاكرة كنّا في الصف السابع ابتدائي عندما حلّت الذكرى الأولى للسطو على العيد عام 1966، ورفضنا الدخول للصفوف وطبعا لم يكّن ذلك من عنديّاتنا نحن الأطفال، وإنما دفعا من أهالينا وبعض معلمينا الذين عملوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. لكن الإيام مرّت وترسّخ السطو بمساعدة "سُطاة" من داخل الدروز في بعض القرى، ولكن بعضها ما زال حتى اليوم رافضا للسطو، ولنا في قرية البقيعة مثل ساطع، وعملت القوى الوطنيّة وحتى العلمانيّة منها جهدا كبيرا لإسقاط عمليّة السطو إلا أن النجاح لم يحالفها حتّى الآن لأسباب أكبر من إمكانيّاها.
الوقفة الخامسة... الجريمة والعقاب والثواب
ما أرتُكب هنا هو جريمة مضافة للمؤسسة الصهيونيّة وما كانت لتكتمل حلقاتها لولا تساوق بعض القيادات معها، ولكن لا ينتقصّن هذا من المسؤوليّة التي يتحملها بقيّة أبناء شعبنا حين تركوا الدروز لقمة سائغة حينها، وإن كان يُمكن حينها أن تجد لهم كل أعذار الدنيا، لكن ما نشهد اليوم من ردّة تكفيريّة لها تأثير على ساحتنا، ودعونا لا نطمر رؤوسنا بالرمال كالنعام، يساعد أن يظلّ السطاة وأزلامهم بعيدين عن كلّ عقاب وينعمون بثمرة سطوهم ليس فقط من جريمتهم تجاه عيد الفطر وإنما بكلّ ما يمثّل عيد الفطر.
كلّ عام وكل فرق الأمة بخير وكل العرب بخير... اللهم إلا "الدواعش" ومن لفّ لفّهم!
[email protected]
أضف تعليق