الامكانية التي منحها الكونغرس لنفسه لمراجعة الاتفاق للتحفظ عليه ورفضه بالتشريع هو ما يمنح ايران مكانة الدولة المحبة للمصالحة
“سنكون الى جانب الجمهور اذا كانت احتفالات جماهيرية بعد التوقيع على الاتفاق، بشرط أن تكون هذه الاحتفالات حسب القانون”. هذا ما قاله أمس رئيس الشرطة في ايران. وأضاف أن الشرطة مستعدة من اجل الاحتفالات. إلا أن الرئيس الايراني يحافظ على ضبط النفس ويقول “حتى لو لم يتم التوقيع على الاتفاق، فان العالم سيحترم ويُقدر موقف ايران العقلاني”. أما الجمهور والقيادة السياسية في ايران فانهم ينتظرون، مع حبس الانفاس، البلاغ الرسمي حول توقيع الاتفاق.

لقد حظي طاقم المفاوضات الايراني بالتقدير والمديح من 200 عضو برلمان بسبب “وقوفه الشجاع أمام مطالب الطرف الثاني المبالغ فيها”، وهذا يشير الى موافقة البرلمان الايراني على الاتفاق.

في اعلان موقع وجهه البرلمان الايراني الى طاقم المفاوضات والى حسن روحاني، تم التأكيد على الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها: رفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية، منع الرقابة على المواقع العسكرية واستجواب علماء نوويين ايرانيين. لكن حسب صيغة الاعلان فانه يظهر تراجع على الخطوط الحمراء للايرانيين، ومن تجاوز الخطوط الحمراء هو علي أكبر رفسنجاني، الرئيس الاسبق لايران، ورئيس مجلس مصالح الأمة، الجهة الاكثر أهمية في عملية اتخاذ القرارات، حيث قال رفسنجاني في مقابلة مع صحيفة “الغارديان” إنه “اذا وقع الاتفاق ستكون هذه خطوة عظيمة… كسرنا الطابو كوننا نتفاوض بشكل مباشر مع الولايات المتحدة”. واذا تطور الامر “لن يكون من المستبعد فتح سفارة امريكية في طهران”. هذه اقوال جديدة لم تُسمع من قبل على لسان شخصية رفيعة المستوى مثل رفسنجاني. ورغم مرور بضعة ايام على هذه الاقوال إلا أنه لم يُسمع أي نفي أو تنديد من خامنئي.

المفاوضات مع ايران تجاوزت منذ زمن نقطة اللاعودة بعد أن حمل الاتفاق المرحلي الذي وقع في تشرين الاول بصمات خامنئي. مباديء الاتفاق التي قرأها جون كيري بشكل علني في نيسان تؤكد على أن الطرفين مصممان على تحقيق الاتفاق. فليست المفاوضات مع الامريكيين فقط هي ما أقره خامنئي، بل بنود الاتفاق وملاحقه الخمسة، حيث اطلع عليها هو ومستشاروه.

القيادة الايرانية نظرت الى خطة التقدم في المفاوضات من زاويتين اساسيتين: الجانب التقني للاتفاق وكيفية تسويقه للجمهور ولحرس الثورة والجناح الراديكالي المحافظ. اللائحة التقنية التي تشمل عدد اجهزة الطرد المركزي التي تستطيع ايران استخدامها، وكمية اليورانيوم المخصب ومستوى تخصيبه، وطرق الرقابة على تطبيق الاتفاق. هذه الامور اعتبرت سهلة نسبيا وقابلة للحل، وبعضها تم حله في المراحل الاولى من المفاوضات. ووصلت المحادثات الى شفا أزمة عندما بدأ البحث في نوع العقوبات التي سترفع والجدول الزمني لرفعها. وكان الطلب الايراني قاطعا: الرفع التام فورا مع توقيع الاتفاق. وأوضح المحللون الايرانيون من الجناح المتطرف بانه دون رفع كامل للعقوبات ما كان منذ البداية أي معنى للشروع في المفاوضات. وتشارك في ذلك ايضا شخصيات من الجناح المحافظ والليبرالي. وبدون رفع العقوبات ليس للنظام ما يسوقه لمواطنيه، ليس له ما يبرره عن “الحظر الذي كسر” او اعطاء غطاء لما وصفه خامينئي بانه “المرونة البطولية”، التعبير الذي شق الطريق لاجراء المفاوضات.

كما أن ايران بادرت الى سلسلة من الخطوات على المستوى الاقتصادي مثل التوقيع على عقود مستقبلية مع سلسلة من الشركات الدولية وبناء بنية تحتية لاتفاقات مع مستهلكات للنفط كي تستعيد نصيبا من السوق حرمت منه في اعقاب العقوبات. وعلى المستوى الداخلي ايضا أمر الرئيس روحاني بصياغة اصلاح اقتصادي شامل يعتمد على الافتراض بان الاتفاق سيوقع.

وبالتوازي تبنت ايران استراتيجية دبلوماسية علنية تستهدف القاء الذنب على الغرب، ولا سيما على الولايات المتحدة، في حالة أن يعطل شيء ما التوقيع في اللحظة الاخيرة. ومع ان البرلمان الايراني تبنى قانونا يلزم الحكومة بالحرص على المصالح والحقوق الايرانية في المجال النووي، الا ان الكونغرس الامريكي بالذات هو من سيقف امام محكمة الرأي العام العالمي وليس ايران.

ان الامكانية التي منحها الكونغرس لنفسه لمراجعة الاتفاق للتحفظ عليه ورفضه بالتشريع، هو ما يمنح ايران مكانة الدولة المحبة للمصالحة، ولكن حتى لو رفض الكونغرس ونجح في التغلب على الفيتو الرئاسي المرتقب، فلا يوجد أي يقين في أن الدول الاوروبية، روسيا والصين ستواصل التمسك بالعقوبات، فما بالك بعد أن يتخذ قرار في الامم المتحدة على رفع العقوبات. اذا كان هذا ما سيكون عليه سياق الامور، فان لقسم كبير من العقوبات الامريكية لن يكون معنى كبير بالنسبة لقوته قبل الاتفاق.

هآرتس 14/7/2015

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]