استقراراً يدير التوترات والأزمات، حتى انهيار الإتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي، وتفردت أميركا بزعامة العالم وما عرف بالقطبية الأحادية من التسعينات حتى ما بعد الحرب على العراق وأفغانستان، وبدء الأزمات التي عصفت بالشرق الأوسط مع ما سمي بالربيع العربي، والعاصفة التي عرفتها سورية وعرفها العراق وظهور «داعش»، وما حملته حرب اليمن، والصراعات في شمال أفريقيا، ودخول أميركا عهد الضعف والتراجع والعجز عن إدارة العالم، وبروز الحاجة لإنشاء شراكات وتفاهمات وتسويات، بدأ التبشير بها مع نهاية حرب تموز 2006، وصدور وثيقة بايكر هاملتون التي دعت الإدارة الأميركية للانسحاب من العراق وأفغانستان، والسعي للتفاهم مع روسيا وإيران وسورية، وحل القضية الفلسطينية وسواها من محاور التنازلات عن التفرد بإدعاء إدارة العالم وحكمه. لكنها دعوات بقيت موضع إنكار أملاً بتغيير الوقائع بما أتيح من وسائل قوة.
- خلال فترات متفاوتة ولأسباب مختلفة نشأت مستويات من التشبيك الدولي لملء فراغات في المرجعية العالمية، كان أبرزها تجمع الثمانية الكبار الذي بدا واضحاً أنه يضم صغاراً كانوا كباراً ويغيب عنه كبار حقيقيون. فالمجموعة تضم إضافة إلى أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا كلاً من اليابان وإيطاليا وكندا وتغيب عنها الصين، وبعد خروج روسيا صارت أضعف وأضعف ومجرد تعبير تنسيقي بين دول الغرب. وكذلك نشأت مجموعة العشرين التي تضم إضافة إلى الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا، والدول الثلاث الكبرى التي كانت في مجموعة الثمانية، دولاً ممثلة للقارات هي: السعودية والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإندونيسيا عن آسيا، وجنوب أفريقيا عن القارة الأفريقية، والأرجنتين والبرازيل والمكسيك عن القارة الأميركية، ومشكلة مجموعة العشرين أن طابعها الاقتصادي من جهة واتساعها من جهة ثانية وغياب إيران، التي تقف على الضفة المقابلة في كل مشاكل الشرق الأوسط عنها من جهة ثالثة، يجعل مهمتها القيادية للعالم على المستوى السياسي مستحيلة إلا إذا جرى شطب إيران وهزيمة حلفائها في الحروب التي شهدتها المنطقة.
- خلال التفاوض الذي خاضه الغرب مع إيران، وعلى إيقاع حروب ضروس لإلغاء مكانة إيران وشطب حلفائها، برزت الحاجة لمظلة دولية للتفاوض، فنشأت مجموعة عرفت بالخمسة زائداً واحداً، ضمت الدول الخمس أصحاب الفيتو، ومعهم ألمانيا ممثلة العالم الاقتصادي كله، كدولة عظمى لديها موقع اللاعب الأهم في الإتحاد الأوروبي، والدولة العظمى السادسة في العالم، وخلال متابعة هذه المجموعة لمهمتها، وعملها مع إيران سيتبين أنها أنفقت على مستوى وزراء الخارجية ومعاونيهم والخبراء عشرات آلاف ساعات العمل التي تفوق ما أنفقه مجلس الأمن الدولي في الفترة الزمنية نفسها على مستوى السفراء، وهذا ليس أمراً شكلياً، فإذا الجهد الانتخابي يقرر الصلاحيات التي تنالها المواقع الدستورية في الدول، فإن الجهد التفاوضي يقرر حجم مكانة المؤسسة ومستقبلها، والملف النووي الإيراني تقنياً كان بمستطاع وكالة الطاقة الذرية الدولية أن تتعامل معه حتى من الزاوية السياسية وفقاً لما تبلغه الدول لمندوبيها، لكن نشوء مجموعة الست الكبار وإيران كان تعبيراً عن حاجة تتخطى حجم الملف النووي، ما جعلها تتحول تدريجاً إلى مؤسسة للسبع الكبار، حيث يكفي التدقيق بالأزمات الدولية المتفاقمة لمعرفة أن هذه المؤسسة أي السبع الكبار الجدد وحدها قادرة على حلها، ووحدها تصلح كمرجعية لمناقشاتها ومعالجة مشاكلها.
- ينتقل العالم مع مجموعة السبع الكبار الجدد إلى تشكيل مرجعية ما فوق الأمم المتحدة، والدليل أن التفاهم النووي يتضمن بنوداً ستصدر بصيغة قرارات عن مجلس الأمن الدولي تحيلها له مجموعة السبع الكبار الجديدة، وسينظر مجلس الأمن لاحقاً بملفات، يكتشف أعضاؤه الحاجة لمناقشتها على مستوى مجموعة السبع الكبار الجديدة، لبلورة التفاهمات حولها، وتتحول شيئاً فشيئاً إلى المرجعية الدولية الجديدة التي تملأ الفراغ القائم على مستوى نظام عالمي جديد.
[email protected]
أضف تعليق