هل للمبادرة الفرنسية حظوظمن النجاح ؟
زيارة وزير الخارجية الفرنسية فابيوس الى المنطقة الآن تعني ان الفرنسيين قد وضعوا مبادرتهم ومشروع قرارههم الى مجلس الامن على نار حامية. التحرك يأتي بعد الاستجابة للطلب الاميركي بتاخير تقديم مشروع قرارهم الى مجلس الامن لما بعد 30 حزيران التاريخ المحدد للتوصل للاتفاق النهائي حول البرنامج النووي الايراني. (هل ستؤجل فرنسا مبادرتها مرة اخرى اذا تأجل الاتفاق المذكور الى موعد لاحق؟ ).
امام المبادرة الفرنسية عقبتان رئيسيتان، قبل الحديث عن الموقف الفلسطيني :
اولها واهمها عقبة رفض دولة الاحتلال للمبادرة. رئيس وزرائها استبق وصول الوزير الفرنسي ليعلن رفضه اي مبادرة فرنسية او دولية تطرح على مجلس الامن لحل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي « وفي مستهل الاجتماع الاسبوعي لحكومته قام بهجوم شديد على المبادرة واعتبرها املاءّ مرفوضا بداعي انها تمس بمصالح اسرائيل. وعاد ليؤكد نفس الموقف في المؤتمر الصحافي عقب لقائه وزير الخارجية الفرنسي حين قال « ان السلام مع الفلسطينيين لن يتحقق الا من خلال مفاوضات مباشرة من دون قرارات من الامم المتحدة او املاء خارجي «.
اسرائيل غير مقتنعة، ولا ترى نفسها مضطرة ولا مستعدة الان الى الدخول في اي بحث جدي عن حلول للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، كما يسميه نتنياهو، لا عبر وسيط اميركي، ولا برعاية دولية كما يقترح الفرنسيون، ولا حتى بمفاوضات مباشرة كما يدّعي نتنياهو لزوم المناورة السياسية فقط.
يؤكد هذه القناعة وعدم الاستعداد اولا، اوضاع دولة الاحتلال الداخلية وحكومتها الحالية المغرقة في يمينيتها وعدوانيتها وشراهتها للاستيطان، اضافة الى اغلبيتها الحرجة في الكنيست. وهي في تكوينها وطبيعتها تعبرعن الاتجاه العام الطاغي في مجتمع دولة الاحتلال.وهي بالتالي حكومة توسع واستيطان، في حالة طلاق بائن مع اي حل يعطي للفلسطيين اية حقوق مهما كانت، فما بالك بدولة مستقلة، وبالقدس الشرقية.
ويؤكد هذه القناعة وعدم الاستعداد ثانيا، توازن القوى مع الفلسطينيين، المختل لصالحها بما لا يفرض عليها الدخول في اي حل، ولا يزال يسمح لها بممارسة سياساتها الاحتلالية والاستيطانية التوسعية. مستفيدة في ذلك من اللعب على حبال الانقسام الفلسطيني ومناوراتها لتعميقه وآخرها مناورة الدخول مع حركة حماس في اتفاق تهدئة طويلة الامد منفرد وخاص بقطاع غزة.
الوضع العربي يساعد ايضا في تعزيز حالة عدم الاقتناع والاستعداد لدى دولة الاحتلال، فهو اضعف من ان يشكل عامل ضغط عليها يدفعها للقبول بالمبادرة الفرنسية وبما تقدمه من اقتراحات.
اما الوضع الدولي فان دولة الاحتلال تدرك بالتاكيد مدى التغيير الكبير الذي حصل في المجتمع الدولى ومنظماته وتشكيلاته الدولية والوطنية رافضا استمرار الاحتلال ومؤيدا لحق الفلسطينيين بدولتهم المستقلة، وتدرك ايضا تنامي وتنوع حركة المقاطعة، وتستشعر خطر كل ذلك. و مع ذلك لا تزال مطمئنة ان هذا التغيير لم يحصل بنفس الدرجة لدى الدول والانظمة الحاكمة فيها، وانها لا تزال تستطيع الاعتماد على المواقف الرسمية لهذه الدول.
والعقبة الثانية الرئيسية في وجه المبادرة الفرنسية هي العقبة الاميركية. فرغم ما يبدو من مظاهر عدم الانسجام بين الادارة الاميركية وبين الحكم في دولة الاحتلال، فليس من المتوقع ان توافق الولايات المتحدة على المبادرة الفرنسية، وليس من المستبعد ان تستعمل ضدها حق النقض عند التصويت عليها في مجلس الامن، اذا لم تنجح قبل ذلك بوئدها، او المماطلة المفتوحة فيها او تكتيل الدول ضدها.
الادارة الاميركية محكومة في موقفها بعاملين اساسيين: الاول هو تمسكها بدور عراب الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ورفضها التخلي عن دورها المحتكر في التعامل معه، والثاني ثقل قوى الضغط الداخلي المؤيد لدولة الاحتلال والحامي لها، وقوة تاثيرها.
دولة الاحتلال تعرف هذه الحقيقة وقوتها وتطمئن لها وتدخلها في حساباتها حين تقرر موقفها الرافض للمبادرة.
ثم ياتي الحديث عن الطرف الفلسطيني . صحيح ان الرئيس الفلسطيني اعطى تاييده « للافكار الفرنسية « وهو ما يمكن تفسيره بمنطقه بالموقف التكتيكي، حتى لا يبدو امام العالم الطرف الذي افشل المبادرة الفرنسية في مهدها، خصوصا وهو يرى دولة الاحتلال وحكومتها تقوم بذلك بكفاءة وصلافة.اما عند الدخول في تفاصيل المبادرة كما تم تداوله في نصها الاولي، وكما نشرته صحيفة الفيغارو، فان فيها نقاطا لا يمكن ولا يجب للطرف الفلسطيني القبول بها نهائيا، مثل الاعتراف بالدولة اليهودية، حتى لو جاء غير مباشر وانما متضمنا في تعبير « دولتين لشعبين».
وهناك نقاط اخرى يجب النضال بكل الوسائل المتاحة بما فيها ضغط الدول العربية وبعض الاصدقاء من اجل تعديلها: مثل النقطة المتعلقة بحق العودة، ونقطة الانسحاب على مراحل دون زمن محدد تماما، ونقطة تبادل الاراضي التي ترد كشرط ملزم بالاتفاق ومفتوحة دون تحديد اي نسبة،وغيرها.
في مواجهة العقبتين الرئيسيتين المذكورتين ، لا يبقى امام فرنسا الا ان تفرض مبادرتها بالاعتماد على دول نافذة اخرى وعلى دعم المجتمع الدولي.فهل هي قادرة على ذلك؟ والاهم، هل هي مستعدة لذلك وقادرة على مواجهة تبعاته ؟
ام ان « حركة» المبادرة هي مجرد حركة علاقات عامة دولية الغرض منها ابراز دور فرنسا الدولي، اضافة الى تحسين صورتها لدى الشعوب العربية ودولها وقواها بعد المواقف المسيئة التي اتخذتها حيال العديد من الاحداث في الدول العربية.
[email protected]
أضف تعليق