بعد مرور عشر سنوات على عملية الانفصال عن قطاع غزّة، التي نفّذها رئيس الوزراء الرّاحل شارون في آب 2005، ولكن... هذا الانسحاب لم ينَل شرعيّةً إسرائيليّة، بل نال فقط شرعيّة دوليّة، وحظي شارون حينها بترحيب المجتمع الدّولي الذي سانده بهذه الخطوة التّاريخيّة الجريئة الهامّة! وبذلك منَحَت الإرهاب اليهودي المعروف ما قبل قيام الدّولة دفعةً قويّةً، بدأها الإرهابي النّتن، الحقير، نتان زادة بمجزرة شفاعمرو، "احتجاجًا" على هدم المستوطنات في غزّة، ومن بعدها تتالت العمليات الإرهابيّة اليهوديّة، التي سمّتها الأجهزة الأمنية لاحقًا باسم "جرائم الكراهيّة"، إلى أن بدأت تطال أماكن العبادة، وكان آخرها حرق كنيسة "الخبز والسّمك" في طبريّا، الأسبوع الماضي.
جرائم الكراهيّة التي حصلت وتحصل ضد دور العبادة، هي استمرار لسلسلة أفلام "تدفيع الثّمن" التّشويقيّة!! تُنتجها وتُخرجها، شركات أفلام المستوطنين الوثائقيّة!! وجهاز الأمن العام "الشّاباك"، غير مَعني بملاحقة الجُناة ومعاقبتهم، غير مَعني بحل "ألغاز" هذه الجرائم الدّنيئة، التي تشوه منظر أسمى المقدّسات الدّينيّة الأثرية التّاريخيّة... تُسبّب ضررًا بيئيًّا كبيرًا.
"الشّاباك" يعرف جيّدًا أن عصابات اليمين المتطرّفة هي التي تنفّذ هذه الجرائِم، انتقامًا من سياسات حكومات إسرائيل "المتهاونة" مع الشعب الفلسطيني! لذلك تكون دور العبادة ضحيّة سياسية لمواقف "خضوع" رؤساء الحكومة لإملاءات أمريكا. إن العصابات الإرهابية الإجراميّة، لا تعترف بسُلطة القانون، فقط تعترف بفتاوى رجال الدّين المتطرّفين، المتعصّبين لأرض إسرائيل الكاملة، فهي تَعتبر الأراضي المحتلّة مصنعًا عقاريًّا، ورثوه عن أجدادهم الوهميين، ودور العبادة بالنسبة لهذه العصابات، تُعتَبر "أوكارًا إرهابيّة" يجب حرقها أو تدميرها!!
مسيحيّو هذه البلاد باتوا يشعرون أن أمنهم الشّخصي بات مهدّدًا من قِبَل جهات مُعاديَة، كأنهم يعيشون في دولة دكتاتوريّة، رغم تصريحات نتنياهو، أن دولته تمنح جميع الطوائف حريّة العبادة، لكن تصريحه موجّه للعالم الغربي، ومعروف بألاعيبه السياسية، لأن سياسته العنصرية المعلَنة ضد الأقليّة العربية واضحة، مثل اقتراح قانون يهوديّة الدّولة الشّهير، وغيرها من القوانين المعادية للعرب.
يجب ألاّ ننسى التّحريض اليومي ضد العرب من داخل الكنيست، فعندما تلتقط عدسة نضالنا هذه اللقطات العنصريّة بتقنيّة مُشاهَدة عالية الوضوح، نفهم النفسيّة المريضة لليمين المتطرّف، الذي يقف وراء الاعتداءات شبه اليوميّة على دور العبادة، دون أن يُعاقَب، لأنّه يتمتّع بحصانَتين، استيطانيّة وبرلمانيّة، أي لا تستطيع الأذرع الأمنيّة والاستخباراتية ردعه أو منعه.
الهدف الحقيقي لهذه القوانين، هو خلق أزمة تعايش بين العرب واليهود، بهدف إبقاء الأسُس المتضعضعة لحكومة نتنياهو متماسكة، أمّا من جهة ثانية، فإنّها تبني رويدًا رويدًا، دولةَ الفصل العنصري، لتمنح اليمين المتطرّف ترخيصًا غير مباشرٍ بالاستمرار بمثل هذه الأعمال التّخريبية، لذلك يجب على المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين، وقف هذه التشريعات، ولكنّ للأسف نتنياهو يتحكّم به كما يحلو له، فوجدنا أنفسنا ندفع الثّمن المثمّن بالأخير، بعد أن غدت دور العبادة، في مرمى لؤم اليمين الدّاعشي.
العالم الغربي لم يستنكر كما يليق بمستوى الحدث هذا العمل الإرهابي، فقط قداسة البابا فرنسيس، ندّدَ به بأشد العبارات، بينما أوباما لم يجد وقتًا للتّفرّغ له، فإدارته كانت مشغولة بالرّد على المقالات المعادية لسياسة رئيسها تجاه إسرائيل التي كتبها عضو الكنيست عن حزب "كلنا"، مايكل أورِن، ونشرها في الوسائل الإعلاميّة الأمريكيّة.
رُبّما أوباما "يجهل" كنيسة "الخبز والسّمك"!! لأنها لم تَظهَر ضمن قائمة الأماكن الأثريّة الدّينيّة العالميّة لمنظّمة اليونيسكو التّابعة للأمم المتحدة الأمريكيّة! ممّا منعه من شجب هذا العمل الإرهابي! وهو الذي في اليوم التّالي لانتخابات الكنيست خلق ضجّة إعلاميّة كبيرة، برفضه اعتذار نتنياهو عن تصريحه العنصري ضد عرب إسرائيل، أين اختفى موفقه الدّاعم لعرب إسرائيل، الذي أدخله ضِمن دائرة نفوره من نتنياهو؟! العالم العربي وعلى رأسه لبنان، لم يستنكر هذا الاعتداء، وكأنه حصل في مكان ديني غير مسيحي ولا يمتّه بِصِلة، لأن لبنان مُنضَم لدول منظّمة الفرنكوفونيّة الفرنسية!! يعني دائمًا خيوط لعبته السّياسيّة، تُحرّك خارج حدود الحلبة الشّرق أوسطيّة!!
المحافظة على حريّة العبادة هو حق مقدّس لدى جميع الطّوائف، دول العالم تمنع المساس به منعًا باتًّا، إن هذا الحق لا يقل أهميّة عن حريّة الفرد وحريّة التّعبير. ما يقوم به المستوطنون الدّاعشيّون، هو إبادة لاحترام حريّة العبادة، والكتابات السّافلة على جدران أماكن العبادة، هي ساديّة تعبيريّة، وبما أن إسرائيل ليس لها دستور تستند عليه كباقي دول العالم، فإنها تُتيح تدنيس المقدّسات، ونحنُ ندفع الثّمن.
[email protected]
أضف تعليق