أسبوع مضى على وجودي في عاصمة الجمهورية الصينية الشعبية "بكين" حتى كتابة هذا الكلمات، سأكتب لكم ما استطاعت حواسي تجميعه وتخزينه في ذاكرتي البشرية، وليس بالذاكرة الإلكترونية بأنواعها وأحجامها المختلف التي تجيد الصين صناعتها وتطويرها، ثم تزويد العالم بها كأحد منتجاتها التي تغزو العالم دون منافس على الساحة الاقتصادية العالمية.
منذ دخولي مطار بكين ومشاهدة الفيضانات البشرية على شكل أمواج من بني البشر، بدأ قلبي يقفز من مكانه ليوتر الجهاز العصبي في تساؤلاته: كيف سأتعامل معهم؟ كيف سأجد الحقيبة؟ أين مخرج المطار؟ هل مع هذا الكم البشري سأكون بأمان؟ عقلي الباطني فجأة يستعرض أفلام " جاكي شان" و "جت لي"، وبدأت بالتأهب في مواجهة المافيا الصينية التي ستسرق الحقيبة بعد خروجي من المطار!! أخرج بهدوء أنظر حولي لا أجد المافيا ولا البيوت التي كنت أتوقعها، تحول التنين الصيني المصنوع من الورق إلى مبانٍ ضخمة بمعنى الكلمة، فالعمارة السكنية الواحدة الصغيرة تحتوي على 100 شقة كحد أدنى والضخمة 500 شقة كحد أقصى.
استيقظت صباحاً لا قهوة في الفندق!! لا يوجد فيسبوك على شبكة النت في الصين، أذهب لأتناول إفطاري لتكون الوجبات عبارة عن مأكولات لا أعرفها ولا أستطيع تناولها صباحاً، أكتفي بتناول البطيخ مبتسماً بأن الرحلة بدأت!! أخرج إلى بوابة الفندق لأجد صديقي غسان صافي _ المشارك معي في هذه الرحلة_ يدخن ويقول مبتسماً: صحة على الفطور؟! نضحك في فضاء بكين، وفجأة تصرخ عجوز صينية بوجه غسان، في البداية لم نفهم عليها؛ حتى بدأت تستخدم لغة الإشارة ليتبين لنا بأنها لا تريد من غسان أن يدخن وهو على درج الفندق، بمعنى، عليه أن يبتعد عن درج الفندق خطوة ويدخن، ففعل ذلك، ورحلت العجوز عنّا، فقال غسان أيضاً مبتسماً: لو حدث هذا الموقف في البلد كنّا بحاجة إلى جاهة تحل المشكلة!!
عدد مواطني الصين 1,354,040,000 نسمة حسب إحصائيات عام 2012، أما بكين 21,148,000 نسمة حسب إحصائيات عام 2013.
في شوارع بكين كل فرد يعلم جيداً دوره ضمن المنظومة الشيوعية تحت مظلة الحزب الواحد، والجميع يعمل بقلب ويد وعقل واحد، كل فرد يعلم المهام التي يجب عليه أن ينفذها، ويتم تنفيذها على أكمل وجه، عامل النظافة ينظف الشارع كأنه بيته! بائع الخضار والفواكه يقدم لك أفضل ما عنده مبتسماً!! رجل الأمن يقوم بمهامه دون أي اعتراض من أي فرد!! كل فرد يجد ذاته ضمن مجموعة من القيم والمفاهيم والأنظمة التي تشكل نظاماً كاملاً متكاملاً يخدم الجميع بالنهاية!!
كل صباح أذهب إلى المدرسة المجاورة للفندق، أستمتع بمشاهدة طلاب المرحلة الأساسية الأولى وهم يدخلون ملعب المدرسة ليمارسوا الرياضة الصباحية، يدخلون كأنهم جيش منظم ينتشرون بطريقة تذكرني بافتتاحية أضخم وأكبر عرض افتتاحي للألعاب الأولمبية على مدى التاريخ في ملعب عش الطائر ببكين عام 2008، وأنا أشاهد ما يقدمه الطلاب من رياضة صباحية على أنغام الموسيقى أجد أيضاً على الرصيف المقابل للمدرسة مجموعة من كبار السن يقومون بالرياضة الصباحية وكلهم تفاؤل وأمل.
بين رياضة المدرسة ورياضة الرصيف يكمن لغز الأجيال المتعاقبة بتداول الإرث الحضاري بمختلف مكنوناته التي لا أستطيع وصفها فقط بمقال في جريدة!!
في بعض الأوقات وأنا أتمشى بشوارع بكين أحاول أن أشاهد ما أمكن من مشاهدات، يعصف في ذهني العديد من الأسئلة التي ما زلت أفكر بها حتى هذه اللحظة: هل اختلاف ثقافة الشعوب يؤثر على طبيعة نظام الحكم؟ ما مدى تأثير مساحة البلد وعدد سكانه على شكل النظام السياسي؟ هل الإرث التاريخي لشعب ما يستطيع أن يعزز مستقبله إذا كانت الإجابة نعم فأين العرب من هذه المعادلة؟! هل سيلتهم التنين الصيني السوبرمان الأمريكي؟ هل الديمقراطية هي مطلب الشعب أم تفرض على الشعب من شعب آخر؟ لماذا كانت الصين أقل الدول تضرراً بالأزمة المالية الأخيرة التي واجهها العالم؟! هل هناك علاقة ما بين اللغة والفكر وبالتالي لغة السلطة الحاكمة؟ هل ما أراه في شوارع بكين نتاج عملية تضليل وتزييف للواقع المعاش؟ لماذا لا يقاس مفهوم السلطة الديكتاتورية بأدوات تراعي خصوصية كل بلد؟ هل الديمقراطية كنظام سياسي ستنجح في الصين أكثر من نظامها السياسي الحالي؟
في الليل وأنا أضع رأسي على الوسادة أقول لذاتي: تنين الصين أصبح يلتهم جميع الأسواق العالمية بسرعة فائقة، كأنه تنين برؤوس متعددة بعدد القارات، كل رأس يلتهم قارة من القارات أوروبا وإفريقيا وآسيا وأستراليا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية، تنين لا يشبع من الوجبات الأمريكية السريعة ولا يخشى على ذاته من رامبو أو السبايدرمان.
للتواصل: بريد الكتروني[email protected] فيسبوك RamiMehdawiPage
[email protected]
أضف تعليق