لا أتنكر من إعجابي لشخصهم بعالم السياسة المحنك، رجُلان يعملان بخطط ودهاء، هما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأسجل إعجابي بشكل أكبر لرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أغلو لفكره السياسي وما قرأت له من فكر يجعل من التاريخ دروسا وعبرا للحاضر، لكن حصول حزب العدالة والتنمية بما نسبته 41% في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يعتبر ضربة قاسية لأردوغان والأكثر ألماً طوال أكثر من 10 سنوات، بسبب خسارة الحزب بالأغلبية المطلقة التي كان يتمناها في البرلمان، مما يجعله يبحث عن تحالف لتشكيل الحكومة، هذه الخسارة التي قالت صحيفة "الغرديان" البريطانية أنها أذلت أردوغان.
هناك دروس وعبر يجب أن يتعلمها ليس فقط أردوغان وحزبه، وإنما جميع الأحزاب والرؤساء العرب، أهمها بأن جنون العظمة والتفرد بالقيادة على الرغم من الإنجازات الواضحة للعيان وقدرته على خلق عالم جديد ما بين الرأسمالية واللبرالية والإسلام، وأيضاً اقتصاد منافس على الصعيد العالمي في ظل الأزمة المالية التي تعرضت لها تركيا عام 2003، ومن ثم الرغبة القوية بالانضمام للإتحاد الأوروبي؛ لا يعطيك الحق بالتفرد والتسلط في كينونة الأمة.
إذن الشعب التركي قال كفى في وجه نظام الحزب الواحد المستمر منذ 13 عاماً، وهذا حق طبيعي لأي شعب بدأ يستشعر مخاوف التفرد بالحكم المتمثلة بأحلام تغيير الدستور حتى يتمكن من الحصول على المزيد من الحقوق السياسية، بالتالي الأتراك قالوا كلمتهم الرافضة لفكرة تغيير الدستور ومنح أردوغان صلاحيات أوسع، إذن رغم فوز الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية إلا إنه خسر الغالبية المطلقة، بالتالي لم يعد يستطيع أن يحكم وحده.
وبقراءة سريعة للنتائج، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن عدد مقاعد البرلمان التركي 550 مقعدا، فإن طموح أردوغان هو الحصول على 330 مقعداً ليضمن فوز حزبه بأغلبية المقاعد، حتى يحقق ما يريد وهو تغيير الدستور ليضمن مساحة تعزز حكمه وسلطاته، وبلغة الأرقام حصل حزب العدالة والتنمية على 259 مقعداً بالتالي هو أيضاً لم يحصل على الحد الأدنى 267 مقعداً ليشكل الحكومة بمفرده. إذن هذه هي لعبة الانتخابات، تعاقب وتكافئ من يستحق، وفي تركيا كانت هذه الانتخابات صمام الأمان في وجه تحول البلاد ربما الى ديكتاتورية حديثة.
نعم اختلف أردوغان اختلافاً جذرياً، المتابع له منذ بداياته يعلم جيداً بأن أردوغان اليوم هو ليس أردوغان الأمس، فقد نشأ في حي شعبي في اسطنبول وعمل بائعاً للشاورما؛ وكان حلمه أن يصبح لاعب كرة قدم، إلا أنه أصبح أشهر لاعب في السياسة التركية منذ 1994 بعد أن أنتخب عمدة لمدينة اسطنبول، ليبدأ اللعب في الملعب التركي بشكل مهاجم وسريع فتولى منصب رئيس الوزراء ثم الرئاسة؛ المتابع للشؤون التركية سيجد بأن أردوغان أصبح يواجه منذ 3 سنوات تقريباً العديد من الانتقادات، تلك الانتقادات التي جعلت من الشارع التركي يغلي ويغضب لتصل في بعض الأحيان الى مظاهرات وأعمال عنف تعبر عن غضبهم ضد السياسات التي يرسمها أردوغان ومنها تلميحه بإغلاق مواقع التواصل الإجتماعي، إغلاقه لساحة تقسيم في ذكرى احتجاجات "جيزي"، التضييق المستمر على الصحفيين الأتراك، وكان آخر انتقاد موجه له هو تكلفة القصر الجديد الذي بناه على مساحة 200 الف متر مربع، فهو يريد تخليد اسمه مثل العثمانيين بتكلفة تترواح بين 430 الى 450 مليون يورو( لا يوجد رقم محدد). وبهذا المبلغ كسر أردوغان بروتوكولا اتبعه الرؤساء الأتراك لعقود طويلة، وقرر ترك القصر الجمهوري الذي شغله مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك رمز الدولة التركية العلمانية التي تأسست في عشرينيات القرن العشرين عقب انهيار الدولة العثمانية.
نعم .. فاز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بالانتخابات التشريعية لكنه خسر الغالبية المطلقة في البرلمان، ولن يستطيع أن يحكم وحده، لقد تم معاقبة أوردغان فكان الضحية حزب العدالة والتنمية. إن الجرح المؤلم الذي تعاني منه الشعوب وخصوصاً العربية والإسلامية ولا تعمل من أجل الانعتاق منه وهو جهلهم بما قاله اللورد البريطاني "أكتون" في نهاية القرن التاسع عشر" السلطة مُفسدة، والسلطة المطلقة فساد مطلق. الرجال العظام غالبا ما يكونون رجالا سيئين".
[email protected]
أضف تعليق