في مصر مثلا كان فيه زمان جيل بيحلم بالحرية من المحتل، بعده جه جيل بيحلم بالوحدة بين الدول العربية، بعده جه جيل تالت بيحلم بالقضاء على العدو، بعده جه جيل بيحلم يعيش عيشة هادية بدون مشاكل، ثم جاء هذا الجيل اللي لوقت قصير حلم بالحرية والقضاء على الفساد، ثم أصبح الآن له حلم موحد وهو الفرار.
تتهمنا الأجيال السابقة وأبواق إعلام الدولة وأقلام الصحافة الداعمة لاستمرار الحال على ما هو عليه بقلة الانتماء وعدم حب الوطن، فنتلفت حوالينا ونسأل سؤال جاد منتظرين له إجابة: يعني إيه كلمة وطن؟
نسمع جملة تبدأ دائرة النقاش: بلدنا حلوة بس مشكلتها في ناسها، فنتساءل بجد : يعني إيه بلد؟ وهل إذا استثنينا الناس من المعادلة إيه اللي يفضل من مكونات كلمة بلد؟ تراب وهوا؟ يفكرنا أحدهم بالتاريخ ، حضارة ٧٠٠٠ سنة ، الجملة التي أصبحت كليشية من كثرة ترديدها.
نبتسم موافقين ونشاور ع الحضارة اللي سابوهالنا أجدادنا اللي اتبهدلت معانا في كل مناسبة وحتى مش عارفين نستغلها، يقترح واحد تاني أن نسيبنا من التاريخ خلينا في الحاضر والمستقبل ويحاول يوضحلنا الخطوات العملاقة اللي بنقطعها في طريق التقدم.
نستمع له بحماس ويخرج كلامه من الودن التانية بحماس أكتر، فاللي مصمم إنه شايف بكره في حين إنه ما بيشوفش من الغربال، ليه تتعب نفسك معاه وتحاول تقنعه إنه أعمى؟
يشاورلنا التالت من فرط بؤسه في البحث عن نقطة مضيئة على الطقس، الطقس؟ .. طيب الطقس هنا مالوش مثيل في أي مكان في العالم، شوفوا بره بيتعذبوا في التلج إزاي؟ لم تشاركني أي من صديقاتي الأجنبيات عذابها الخاص بموضوع الطقس ومش شايفاه موقف حياتهم يعني.
يصرخ أحدهم : "الأمان"، ده بأه ما فيش داعي نقلب عليه المواجع ونسأله عن آخر مرة مشي في شارع من غير ما يكلبش في إيد إبنه لا يتخطف، وبنته لا يتم التحرش بيها. فلنقل خيرا أو لنصمت.
فيقفل الأخير الحوار لتصبح دايره كاملة ويقول بس برضه الناس مش وحشة قوي والبركة في الشباب.
توجعنا الكلمة، الشباب، نتذكر بمرارة شباب البلد اللي شاب بين اللف في الساقية ليحاول الحصول على شغلانه في نفس تخصصه أو حتى في تخصص تاني تقيه ذل طلب مصروفه من أبوه، شباب لو فتح أحدهم بقه برأي سياسي بيتلفت حواليه، ولو كلم الناس عن العلم وقيمته يخرجوله بمشروع القضاء على الإيدز بتحويله لكوفته ويقولوله موت بفيروساتك يا فتى!
شباب هذا الجيل عايز يهرب، وليس لدى معظمه أي مشكلة في التخلي عن جنسية البلد، ولما يرفع صباعه في وش الجميع يسألهم : أليس من حقنا مثلما ينادي الجميع أن ننتمي للأوطان، أن ننادي إحنا كمان أن تنتمي الأوطان لنا ؟ يقولوا عليه خاين وعميل ولم يمس قلبه حب الوطن، فيرجع يسأل تاني:
يعني إيه كلمة وطن؟
* غادة عبد العال، صحفية في جريدة "الشروق" المصرية. اشتهرت بفضل مدونتها "عايزة أتجوز" التي تحولت إلى كتاب ثم إلى مسلسل تلفزيوني في مصر.
[email protected]
أضف تعليق