في هذا اليوم قبل 15 عاما أعلنت المقاومة ومحورها النصر على إسرائيل بدحرها وتحرير معظم الجنوب اللبناني فكان عندها السؤال عن رد أرباب المشروع الصهيواميركي على الهزيمة التي أنزلتها به مقاومة لبنانية احتضنتها سورية وإيران.
أقول هذا واتذكر عبارة إسرائيلية حملها لي رئيس لجنة الأمم المتحدة التي كانت تعمل معنا من اجل التحقق من إخراج إسرائيل من كل لبنان عبارة جاءت إجابة على سؤال يتصل بسبب التمسك الإسرائيلي بأرض لبنانية على مرتفع بارون بجبهة 50 مترا وعمق 15 مترا حيث قال الضابط الإسرائيلي "أننا "نحتاج لهذه الأرض في حربنا المقبلة". فإسرائيل مع الحلف الصهيواميركي كانت تخطط لمعركة الثأر من المقاومة ومحورها منذ اللحظة التي طردت فيها من الجنوب.
وبالفعل تسلسلت الحروب التي شنتها إسرائيل ومعها أميركا ضد محور المقاومة، حروب تعدد ت أشكالها بدءا بالقرار 1559 وحرب 2006 وصولا إلى "الحريق العربي" الذي خطط ليلتهم سورية ويسقط محور المقاومة ويخلي الساحة لأميركا لتحكم العالم من غير معارض أو منازع.
لكن سورية استعصت بصمودها الأسطوري على خطط الغرب العدوانية التي أعملت تتاليا والتي كانت آخرها خطة فكي الكماشة التي أسقطت بالضربة القاضية في القلمون في الأسابيع الأخيرة، ما وضع أميركا وحلفها الاستعماري أمام مأزق جديد فيه السؤال ما البديل؟
لقد اعتمدت أميركا "خطة فكي الكماشة " بعد أن فشلت في خطط ثلاث قبلها واستندت فيها إلى خمس دول للتنفيذ (تركيا -الأردن -إسرائيل السعودية وقطر) جاء ذلك بعد أن نعت صنيعتها داعش التي أسقطت خطتها في العراق وسورية بما فاجأ أميركا. حيث تمكن العراقيون وبدعم من إيران ومع تحشيد شعبي تمكنوا من احتواء هجوم داعش الذي روج الأعلام الغربي له بشكل أسطوري، وصوره بانه قوة لا تقهر، ففتحت أمامه أبواب محافظات عراقية أربع تشكل تقريبا ثلث مساحة العراق، لكن العراق استعاد نصفها وأكد فشل داعش فيه وكاد أن يجتثها لولا التدخل الأميركي المعيق.
وفي سورية تحطمت أسطورة داعش عند عين العرب التي صمدت بوجهه رغم التضييق التركي القاسي ضد السوريين ولكن الأهالي وبدعم من الحكومة السورية تمكنوا من الحاق الهزيمة بداعش وردوها على أعقابها كما أن الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني لاحقت إرهابيي داعش شرقا في منطقة الحسكة ودير الزور وسجلت الإنجاز تلو الإنجاز ضد هذا التنظيم الإرهابي. وهنا كان النعي الأميركي لخطة داعش ما حملنا يومها على طرح السؤال: ما مصير داعش بعد فشلها وما هو جديد العدوان ضد سورية والعراق؟
عن السؤال الأول كنا توقعنا أن تحتفظ أميركا بورقة داعش كاحتياط يلجأ إليه عند الحاجة، أما عن السؤل الثاني فقد جاءت الحركة في الميدان لتنبئ باعتماد خطة فكي الكماشة التي جاءت في الترتيب رابعة بين خطط العدوان. وهي الخطة التي أجهضت في القلمون بعد ما حققته العمليات الاستباقية التي نفذت في مثلث الأرياف الثلاثة (درعا دمشق القنيطرة) وفي ريف حلب، مع احتواء الاندفاعة التركية في الشمال الغربي السوري.
أن إجهاض خطة فكي الكماشة اجبر الغرب على الاعتراف بان المواجهة العسكرية في سورية لن تحقق له أهدافه وأن الحل لن يكون إلا سياسيا (هكذا قال الرئيس الأميركي والفرنسي ووزير الخارجية الألماني) مع تأكيد روسي بان أميركا باتت مقتنعة بان لا حل في سورية ألا مع حكومة يقودها الرئيس الأسد، ومع هذا الموقف طرح السؤال: كيف سيتصرف الغرب؟
كنا نتصور أن أميركا ستختار بين حلين: حرب استنزاف توفر لها وقتا يلزمها لأبتداع خطة عدوان جديدة، أو السير بمشروع التقسيم الذي يبقى مطروحا كخيار استعماري تفتيتي.
وقد لا يكون واضحا حتى الآن أي من الحلين سيعتمد مع أن للقول استعماريا بخيار التقسيم مبرراته الكافية، لكن ومع العوائق التي تعترضه خاصة الصلابة التي يبديها محور المقاومة، نرى أن أميركا تتجنب لعبه كورقه وحيدة، ما يدفعها للعمل على الخطين معا: حرب استنزاف لكسب القوت ومشروع تقسيم يشكل المخرج، وهنا يطرح السؤال حول الوسيلة التنفيذية اللازمة للأمرين.
يبدو أن أميركا عادت مجددا لاعتماد داعش أداة عدوان مناسبة لما توفره لها من نيرانا دائمة في الميدان، وإرهاق للخصم يمنعه من استثمار إنجازاته الاستراتيجية، وبهذا يفسر السلوك الأميركي الأخير في العراق حيث منعت تحرير الموصل، ثم منعت الحشد الشعبي من التوجه إلى الرمادي لمنع احتلالها، ثم كانت التسهيلات الأميركية لداعش للتوجه إلى تدمر السورية. وليس منفصلا عن المسار هذا أقدام الجماعات اللبنانية المسيرة أميركيا من " وضع خطوط حمر" لحماية الإرهابيين في عرسال وجرودها. فكل هذه المواقف تخدم فكرة واحدة: أميركا عادت لاستخدام داعش في مرحلة ما بعد الانهيار في القلمون.
أما قول أميركا بان هناك نكسة حصلت "للتحالف " جراء احتلال داعش للرمادي وتدمر، فهو نفاق للتعمية على مسار جديد اعتمدته في العدوان على المنطقة وعملية تخديرية تذكر بالسلوك الأميركي حيال مسرحية الموصل. فليس في الأمر نكسة بل عودة إلى داعش وأخواتها خدمة لمشروع العدوان، فأرتال داعش تتحرك في العراء وتحت مراقبة طائرات التحالف التي كما يقول ماكين تعود بحمولتها من الذخيرة بنسبة 75% دون أن تلقيها.
هذه الحقيقة يعيها محور المقاومة ويعي عبرها أن الغرب لم ينضج بعد لفكرة وقف العدوان، وأن المواجهة مستمرة دون أفق محدد لنهايتها، ومع ابتعاد المعارك الحاسمة تبقى حرب الاستنزاف هي المعتمدة، يصاحبها تحفز للعمل بمشروع التقسيم في أي لحظة يظهر فيها الوهن على المحور المقاومة، وهكذا تبدو الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى اعتماد الرد المقاوم المثلث الأركان: تماسك ووحدة بنوية ثم مواجهة تتجنب شراك حرب الاستنزاف وأخيرا حرب نفسية مضادة تحفظ المعنويات.
[email protected]
أضف تعليق