النبش

بشكل ملحوظ ومتزايد أراهم بمواقع مختلفة ينبشون حاويات القمامة.. بعضهم يجمع المعادن المختلفة.. والبعض يجمع الخردة من أدوات منزلية.... والبعض المواد البلاستيكية والكرتون، أصبحت مناظر مألوفة غير طبيعية أن تجد شخصا ينبش بعصاه الحاوية، أو تجد طفلا بداخل الحاوية، أو عجوزا بمحيط الحاوية، أو شابا يقذف من داخل الحاوية الى السيارة «الترك» بعض قطع الحديد والألمنيوم. هناك في العالم من يقوم بتنقيب عن النفط، وهناك من يقوم بتنقيب القمامة واستخراج ما يمكن بيعه، فالنبش أصبح مصدر رزق يومي لبعض الناس، بالإضافة الى ذلك يقوم نابشو الحاويات بعمل غير مباشر/ غير رسمي حول تدوير النفايات.

تدهور الوضع الاقتصادي بازدياد نسبة الفقر والبطالة يجعل عدد نابشي الحاويات بتزايد أيضاً والأغلبية هم من الأطفال بالتالي وضعهم التعليمي أيضاً بتراجع إذا ما لاحظنا بأنهم يعملون في ساعات الصباح أي بوقت دوام المدرسة. السؤال الذي يدق عقلي كلما رأيت طفل ينبش حاوية ما... هل يعمل هؤلاء الأطفال لحسابهم الخاص؟ أم هناك أيدي خفية مثل العائلة أو/و أصحاب مصانع وراء هذه الظاهرة التي تغتال الطفولة بسن مبكر؟.

في الأردن يتم تسمية بعض المنقبين بالغطاس، وهناك مستويات ودرجات حسب المنطقة «الحي» الذي يغطس بحاوياتهم، فهناك من يحلم بأن يصل الدرجة الممتازة في الغطس في حاويات قمامة « عبدون، الصويفية... الخ» بمعنى المناطق الراقية أيضاً تعكس ذاتها حتى في خيرات الحاويات فهي تزخر بالنفايات الثمينة!! بالتالي أجرة نبش حاويات عمان الغربية لها تسعيرة تختلف عن عمان الشرقية بسبب المستخرجات التي لها القيمة.

حاولت أن أقوم بممارسة العمل الصحافي البحثي ومحادثة من ينبش في النفايات، وحتى أكون صريحا معك عزيزي القارئ تحدثت مع 3 أشخاص وافقوا أن أتحدث معهم، إلا إنهم رفضوا أن أذكر الاسم أو التقاط صورة أثناء النبش، لكن ملخص ما جاء بالحوار بأنهم «لا يمدون يدهم للتسول واستجداء الناس» هيك .. هيك الوضع زبالة أصلاً» «مسؤولياتنا أكبر من المعايير» « لا انت ولا غيرك راح يطعمينا» «بدك اتساعدنا يا سيدي... اتفضل شغلنا» «احنا بنساعد في تنظيف البيئة والبلدية لازم تكافئنا» «هيك هيك وضع البلد زبالة أصلاً».

وعلى سيرة البيئة، وحتى أكون صادقا مع ذاتي أولاً وأخيراً، لم أستطع أن أقف وقتاً كافياً وأنا أتحدث مع من ينبش بجانب حاوية القمامة «الزبالة» بسبب الرائحة الكريهة من جانب ، ومن جانب آخر لا أريد أن أصاب بأي مرض بسبب ما تحويه النفايات من محفزات تؤدي الى الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض بسبب احتوائها للعديد من الجراثيم مثل جرثومة «التيتانوس» المشهورة بالكزاز إصابتها والموت خصوصاً اذا لم يعطى المصاب الطعم في الوقت المانسب ويكون هناك جرح ملوث. وممكن يتم الإصابة بالأمراض التي تنقل من خلال الدم مثل داء الكلب، الكبد الوبائي، الإيدز. كذلك أمراض الجهاز التنفسي كالحساسية وأخرى قد تصيب العين بعد ملامستها لليد الملوثة بالبكتيريا جراء البحث بالنفايات. إن نبش الحاويات أيضاً يترك أكياس القمامة مفتوحة ومرمية خارجة الحاوية، ما يساعد على سرعة انتشار الأمراض في المجتمع ككل، ويجعل الأحياء تعاني من مناظر أشبه ما تكون كمكب للنفايات بالتالي تسبب أذى للطريق والمارة.

السؤال الآن: ما هو مطلوب؟ وهل بالإمكان التفكير بطرق مبدعة غير تقليدية؟ دون النظر بمطاردة ومحاسبة من ينبش في الحاويات كأنه مجرم حرب وسارق للمال العام، هل بالإمكان تنفيذ برامج تدريبية تثقيفية من بتعاون كل الجهود حكومي وقطاع خاص ومؤسسات أهلية من أجل نشر الوعي البيئي وتدريب من ينبش بواسطة وإشراف المؤسسات الأهلية وسلطة البيئية، حيث يتم النظر الى هذه الأعمال كمهنة ريادة، وهذا ما فعله صديقي المصري عزت نعيم في حي الزباليين كعمل ريادي يحافظ على البيئة ويخصص جزء من المال للتعليم والتثقيف، بما يضمن سلامتهم أولا وعدم تسببهم في بعثرة النفايات حولها مما يؤدي الى زيادة في جهد جمع النفايات.