يحيي الفلسطينيون في كافة اماكن تواجدهم هذه الأيام الذكرى السابعة والستين لأكبر عملية ازاحة واقتلاع لشعب في التاريخ الحديث وهي ما تسمى اصطلاحا ب " النكبة " الفلسطينية. جرت العادة ان يتم تنظيم المسيرات والمهرجانات على اراضي قراً هجرت اثناء عملية التطهير العرقي لفلسطين التي بدأت عام 48 ولم يكتب لها الاكتمال الى يومنا هذا.
من المهم اليوم، وبعد سبعة وستين عاماً على النكبة، الالتفات للغة التي نخاطب بها العالم واختيار المصطلحات بدقة وبعلمية تخدم عدالة قضيتنا وتساهم في توسيع دوائر التضامن معها, وبالتالي تعمل على التأثير من أجلها على المستويين الرسمي والشعبي عالميا كما تساهم بوضع النقاط على الحروف من ناحيتنا كأصحاب قضية مما يصب في استيعاب هول الكارثة التي حلت بنا واسقاطاتها، وهو ما لم يحصل الى يومنا هذا. ان استعمالنا لمصطلح "نكبة" ورغم الالم الذي يحتويه، افقد الرواية الفلسطينية تمايزها لكثرة النكبات التي المت وتلم بشعوب العالم اجمع. بالاضافة الى انها لا تفي الحدث حقه العلمي والتاريخي باختزال عملية التطهير العرقي ب"النكبة".
عطفا على ما قيل لا يترك لنا الحيز السياسي في العام السابع والستين "للنكبة" مجال للاستذكار او البكاء على الاطلال. فما زالت العصابات الصهيونية هي المتحكم في مصير الفلسطينيين كلهم وما يزال الاحتلال قائما. بل ويتمتع باستقرار وأريحية نسبية وسط حالة الغليان وعدم الاستقرار التي تسود الوطن العربي، والتي استثنت الكيان والكيانات السياسية العربية الموالية له. في حين استهدفت بشكل واضح كل من شكَل حالة ازعاج له على المدى القريب او البعيد، ومن ضمنها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ولو بمجرد بقاءها كمخيمات وما يحمل من معانٍ ورسائل عن عدم النسيان والالتزام بالعودة!
اما في الداخل الفلسطيني فان عمليات هدم البيوت والقرى ومصادرة الأراضي والقتل، فهي واقع يومي في الضفة والمناطق المحتلة عام 48. بينما يتم التعامل مع غزة كحقل تجارب للأسلحة الاسرائيلية دون اي رادع حقيقي وجدي من العالم، وايضاً منا كفلسطينيين. فرغم كل ما حصل ويحصل ما يزال من منا- ومن بينهم من هو في موقع المتحكم بزمام الأمور- يراهن على الحلول السلمية المبنية اصلاً على الاستسلام لعدو شرس لا يضيع اي فرصة لاستكمال ما بدأه قبل أكثر من قرن، ووصل أوجَه قبل سبعة وستين عاما، وما يزال مستمراً.
نزعت المؤسسة الصهيونية كل اقنعتها منذ زمن واصبحت تسمي المسميات بإسمها دون تزييف او تجميل. فبالأمس القريب فقط قامت "محكمة العدل العليا" الاسرائيلية بالمصادقة على هدم قرية "ام الحيران" الفلسطينية في النقب والتي يسكنها اكثر من الف فلسطيني لبناء مستوطنة يهودية مكانها، قد يسكنها بضعة عشرات الأغنياء اليهود. ذات النقب الذي تصدى لمخططات اقتلاعية سابقة، ومستمرة، يستهدف بصفته اخر المناطق الجغرافية التي تشكل مخزونا احتياطيا عربيا للاراضي.
ان عملية تشبيك سهلة بين خيوط انماط الممارسة الصهيونية في عامي 48 و2015 تفضي بنا الى نتيجة واحدة، وهي انه برغم اختلاف التفاصيل والحيثيات والاحداث وبرغم تطور الاساليب لتبدو اكثر ذكاءا ..الا اننا نقف امام حالة متدحرجة منذ سبعة وستين عاما تهدف الى اقتلاع الفلسطيني من ارضه وتطهيرها من الذين بقوا وصمدوا دون تفرقة بينهم على اساس الانتماء الوطني او السياسي او الديني.
كل المحاولات لاختزال الصراع وحله بانشاء دويلة مقموعة على حدود العام 67 ما هو الا عدم فهم لطبيعة الصراع والجوهر العنصري للصهيونية في افضل سيناريو، او التماهي معه في السيناريو الاسوأ.
ادراكنا لخطورة العقلية التي نتعامل معها تحتم علينا البدء بخطوات عملية قد تتمكن من اعاقة كرة الثلج المتدحرجة هذه، بدلاً من المساهمة في تضخيمها. لكن تذويب هذه المقولة يدفع بطبيعة الحال نحو انهاء التقسيم بين الضفة وغزة، 48 و 67، والداخل والشتات. لانه بورقتنا الاقوى ووحدتنا كشعب قد نتمكن من تحقيق شيء يذكر لوقف هذه المأساة. والا فلن نكون قادرين على النظر في وجه لاجئ اقتلع من وطنه مرات ومرات، من فلسطين الى اليرموك الى كارثة اخرى. وان بقينا كما نحن الان فذلك يعني حتما ان النكبة باقية وتتمدد، ليبقى الفلسطيني بين مطرقة الداعشي الصهيوني وسندان الداعشي الاسلاموي.
[email protected]
أضف تعليق