نشطت المباحثات الإقليمية في الأيام الماضية وتدخلت أجهزة الاستخبارات التركية، رسمياً، على خط المعارك المرتقبة ميدانياً في سورية وهي التي تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية في أي حرب أو تدهور أمني فيها، بسبب نفوذها لدى مسلحي «جبهة النصرة» و«داعش». فلوجيستياً تعتبر أنقرة شريان المجموعات المسلحة، ولا يحرجها هذا الأمر بل هي تناور فيه ما استطاعت في الأروقة الديبلوماسية، كورقة قوة منحتها إياها واشنطن مع القوى الإقليمية.
إنّ التسوية التي تمّ التداول فيها حول القلمون كانت مفاوضات تنتج انسحاباً للمسلحين من المنطقة إلى «الرقة» شمال سورية، من دون المواجهة مع حزب الله والجيش السوري، ما أثار الشكوك حول إمكانية نجاح مثل هذه الخطوة التي تعتبر «هزيمة « و«تفريطاً «، إلا أنّ الأمور التي كانت تؤدي إلى هذه الصيغة كانت رسائل إيرانية حازمة إلى تركيا تؤكد لها أنّ قبول التركي شريكاً في المفاوضات المقبلة مع إيران حول مجمل ملفات المنطقة والأسواق الاقتصادية التي ستفتح أمامها بعد التوقيع النووي مع الغرب يتطلب من أنقرة تنازلات تؤكد جدية الشراكة مع إيران، تترجم بداية في سورية وبالتالي تفيد الرسائل الإيرانية بأنّ هذه المعركة هي معركة وجود وأنها جاهزة لكلّ أنواع الدعم لحلفائها وأنّ معارك قاسية تنتظر الجميع.
إنّ إعلان حزب الله التعبئة العامة في القلمون و بدأت أولى شرارات المعارك في جرود بريتال والطفيل موقعة إصابات في صفوف المسلحين وعدد من مدرعاتهم، يعني أنّ القرار اتخذ بقوة من قبل قيادة حزب الله وسبق لأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله أن توقع معارك ربيع مقبلة بعد ذوبان الثلوج، وطلب التكاتف الداخلي حينها لمواجهة الإرهاب من كلّ الأفرقاء اللبنانيين، بناء على معطيات متعدّدة أولها أنّ الوقت بدء يداهم الجميع ولم يعد من مصلحة أحد الانتظار أكثر إقليمياً من أجل الدخول على خط التسويات، وثانيها أنّ حزب الله تأكد من نوايا إقليمية كبرى بفتح المعركة، ومن أنّ خرقاً ما دخل على خط المفاوضات لإفشالها بهدف توريطه في المعركة التي لا تتخذ طابعاً محلياً إنما إقليميا مستمد من تأثيره على سير المعارك في اليمن كحلف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالجبهات المشتعلة. ومن المؤكد أنّ هذا الخرق هو «إسرائيلي»، وقد طالبت «إسرائيل» بفتح المعركة، معتبرة أنها معركة وجود ومصير بالنسبة إليها، فإن ربحتها تستطيع فصل رأس المقاومة عن جسدها كممرّ وشريان حيوي لتسلح حزب الله في لبنان. وبالتالي ترى تل أبيب أنه يجب استغلال الشهرين المقبلين لأقصى حدود قبل التوقيع النووي الإيراني مع الغرب مهما كلف الأمر.
قبل الحديث عن هذه المعركة بأيام حاولت «إسرائيل» جسّ نبض حزب الله والتحقق من معادلة الردع التي رسمها بعد عملية شبعا بغارات في القلمون، لكنه لم يعلن عنها ولم يطرح نية بالتبني .
ستحاول «إسرائيل» من خلال معركة القلمون الضغط من أجل إغراق حزب الله فيها، فكلّ ما يعنيها منها هو هذا الحزب الذي فرض عليها معادلة مكلفة في حال تورطها المباشر معه وعليه، وطالما أنها لن تتهاون في أي فرصة باهظة الكلفة على حزب الله يبدو أنها ضغطت بشدة على الأميركيين الذين فسحوا المجال لحلفائهم باختبار كافة مكامن قدراتهم على حصد إنجازات في الشهرين الحاسمين قبل التوقيع مع طهران، ففتحت معارك اليمن وأنبار العراق وشمال سورية واليوم القلمون.
تضغط «إسرائيل» على الولايات المتحدة دولياً، والأتراك والحلفاء إقليمياً في عدم الاستعجال بالمفاوضات من أجل الحلول في سورية، طالما ما زال هناك بعض الوقت الذي يسمح بإغراق أعدائها وتوريطهم في حرب مضنية، وفق معادلتين تخاطب فيهما الأميركيين وهما:
أولاً: حزب الله هو خصمها اللدود و كلّ ما يعنيها من معركة القلمون هو وقف الشريان الحيوي وإمداد الحزب بالسلاح هذه المنطقة تحديداً، لذلك هي معركة وجود «إسرائيل» ووجودها بالتالي إذا نجحت في مساعدة الإرهاب، وخصوصاً «جبهة النصرة» من ربح المعركة في القلمون وبسط النفوذ على منطقة تمتد من جبل الشيخ حتى البحر، وبذلك تؤمن «إسرائيل» عازلاً لا يسمح بالاشتباك المباشر معها ونقطع اتصال لبنان بسورية، وتقضي على رئة المقاومة. فلماذا لا تدعم وتدخل بزخم في هذه الحرب؟
ثانياً: إذا كان عدو الأميركيين هو «الإرهاب وعدو «إسرائيل» هو حزب الله، فلماذا لا تترك «إسرائيل» وأميركا أعداءهما يتقاتلون ويلحقون الهزائم ببعضهم البعض. لماذ لا تتركا حزب الله يضعف و يتورط طالما كلاهما تعتبرانها معركة وجود أصلاً، وبالتالي المعارك قاسية لا محالة؟
في هذا الإطار، يؤكد العميد اللبناني المتقاعد الياس حنا لـ«البناء « إنّ هذه المعركة بالنسبة إلى «الإسرائيليين» هي تورط وانهماك واستغلال لحزب الله واستنزاف له إذا طالت، والمستفيد هو العدو «الإسرائيلي» وهو متفرج ويرى الأعداء يتقاتلون، إلا أنّ الأكثر خطورة عليه هو حزب الله لذلك عندما يتكبد حزب الله خسائر كبيرة سيخفّ الضغط عليه في الجنوب والجولان، في رأيه.
[email protected]
أضف تعليق