انتهيت من قراءة رواية "فئران أمي حصة" للروائي الكويتي سعود السنعوسي، وكوني أحد مواليد "الديرة"_دولة الكويت_ كانت طفولتي بذأت الفترة الزمنية التي يتحدث عنها السنعوسي، يعطيني ذلك أماكن مختلفة للنظر الى الرواية التي عايشتها وبتفاصيل مختلفة من حيث عمق الجرح الفلسطيني بكافة آلامه للآلاف من الفلسطينيين بشكل خاص والجمع الفلسطيني بشكل عام لتلك الحقبة الزمنية في الرواية التي لم تنته حتى لو انتهت هذه الرواية أو روايات مستقبلية.
أخطر ما في هذه الرواية؛ بأنها تحمل في أحشائها العديد من الروايات، وكل رواية من تلك الروايات عندما يكتشفها القارئ سيكون له وجهة نظر أو روايته الخاصة به التي ليست بالضرورة أن تكون توافقية مع الرواية التي يقرأها، وهنا بكل قوة أقول بأن السنعوسي رسم بجدارة لوحة الماضي لكنه كان حذر بتعاطيه مع الألوان لدرجة الدبلوماسية الرومانسية بما يخص علاقة الكويتي وغير الكويتي العربي الذي كان يسمى "أجنبي" وباللكنة الكويتية "أينبي".
تلك الروايات المختلفة نسجها السنعوسي بما يخدم روايته ورؤيته كونه الروائي أولاً وأخيراً، وعند قراءتي لعدد من النقاد العرب ما كتبوه حول الرواية وبعض وسائل الإعلام، أقول _وأجري على الله_ بأنه تم قراءة الرواية بشكل سطحي دون النظر الى مدلولات/ تشبيهات /وما وراء الكلمة بالتالي ما وراء الروايات المختلفة للرواية الأم، فالرواية اذا ما قرأتها مجردة؛ ستجدها تتحدث عن الطائفية كما الجميع أجمع، لكنها برأيي تناولت مواضيع أعمق من الطائفية لأن الطائفية جزء منها في السياق السياسي والمجتمعي حتى نصل الى نمط حياة مختلف تم الحديث عنه بالرواية من خلال العائلات المكونة للرواية.
ومهما كان السبب لدى الرقيب الذي أمر بمنع تداول الرواية داخل دولة الكويت في أول أيام صدورها فإن القرار غير صائب لأسباب كثيرة منها: الرواية تعزز مفهوم الوحدة الوطنية، تتحدث عن فترة زمنية مهمة بأحداث تاريخية واجهتها دولة الكويت منذ 1985 وحتى الزمن الافتراضي الذي تتحرّك فيه الرواية في 2020، تزيل الغبار عن الكثير من العلاقات الحميمة التي كانت بين الكويت والدول الأخرى، قدم للقارئ العربي وغير العربي معلومات ثقافية ومجتمعية عن الكويت كحضارة لها نكهتها العربية الخاصة، والأهم من ذلك كله وتسجل للسنعوسي بشجاعته هو التحدث عن التغيرات التي أصابت المواطن الكويتي بعد/ أثناء/قبل احتلال الكويت عام 1990؛ تلك التغيرات مازالت واضحة عند أغلب الشعب الكويتي وربما هذا ما يؤثر على بنيته وكينونته من حيث النظام السياسي وصولاً الى بنية المجتمع ككل. أعاد السنعوسي دق جرس الخطر الذي دقتاه" حياة الفهد، سعاد الله"في المسلسل الكوميدي" على الدنيا السلام" حول الطاعون يتربص الكويت عام 1987، لم يعلم الرقيب أن سعود السنعوسي هو الذي وصل بالرواية الكويتية إلى العالمية من خلال فوزه بجائزة البوكر عن روايته "ساق البامبو"!!
وإذا كنت قارئا متمكنا من تفكيك النصوص السردية والدلالات المختلفة، ولم تقرأ هذه الرواية لمجرد أن صاحبها فائز بجائزة البوكر العالمية برواية "ساق البامبو" في عام 2013، سيخطر ببالك سؤال سريع بأن الرواية تحدثت عن الماضي والمستقبل ولم تتناول الحاضر، والحاضر هو زمن الكاتبة_كتابة الرواية_ لماذا لم يكتب عنه شيء مثل الماضي والمستقبل؟! هل عدم الكتابة عن الحاضر يشكل حماية للكاتب؟! الإجابة عن هذا التساؤل موجودة بالرواية ذاتها " فرغنا من تصميم غلاف روايتك "إرث النار". أنصح بحذف أربعة فصول. هذا من أجل سلامتك، ومن أجل مصلحة الدار". فهل سينتظر السنعوسي حتى يكون الحاضر ماضيا ليكتب عن ما يعيشه ألآن؟
عند وصولي الصفحات الأخيرة من الرواية، دق جرس الخوف على "ديرتي وربعي" بسبب الصورة المستقبلية التي رسمها السنعوسي للكويت، هل الصورة مبالغ فيها. واجهت الكويت الكثير من المآزق إلا إن أهلها لم يكونوا عنيفين ودمويين إلا هذا الحد؟! هل المحيط العربي من شلالات دموية أثر على الكاتب حتى يصف المستقبل بهذه الوحشية والدموية؟! حمى الله الكويت أرضاً وشعباً. فئران السنعوسي الأربعة: شرر، لظى، جمر ورماد هي فئران تجدها في كافة الدول العربية، تجدهما في كل مكان خارج منظومة الرواية ذاتها إذا ما تحررنا من البنية الفنية للرواية ولغتها المجازية، الطاعون منتشر بدولنا العربية كل حسب خصوصيته وبالتالي حسب سرعة انتشار المرض.
الصديق سعود السنعوسي، لدي الكثير ما سأقوله لك حول روايتي_ من يوم مولدي حتى يوم خروجنا من الديرة _التي لم تكن موجودة في روايتك، بانتظارك في بلدك فلسطين قريباً لأحاورك أكثر وأكثر.. شكراً لك على استحضارك طفولتي.
[email protected]
أضف تعليق