تقاطر مساء الاثنين 20 نيسان الى حيفا، الى مركز ابرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الكاثوليك، الى عاصمة الثقافة والفكر العربيين، المئات من أصدقاء ومحبي سيادة المطران الأسبق للأبرشية بطرس المعلم الموقر، للمشاركة في أمسية التكريم الخاصة التي بادر اليها فرع الجليل لمركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة.
أمسية امتدت على ثلاث ساعات تقريبا – على غير العادة وبشكل استثنائي- تمحورت حول شخص وشخصية المحتفى به، لكنها كانت أمسية ثقافية- فكرية- تربوية- مجتمعية بامتياز، التقت بها الأفكار الدينية لمعتقداتنا السماوية، وتمازجت مع الأفكار السياسية العقلانية وتلاقحت مع النظرات التربوية لمجتمعنا، واتفقت على احياء القيم الاجتماعية لضبط منظومة العيش المشترك، وصيانة مجتمعنا من الافات التي تحيط به.
ربما لم أعرف المطران بطرس المعلم معرفة عميقة في تلك السنوات، لكني قرأت له والتقيت به وتحاورت مع من يحاوره وخاصة على هامش أعمال مؤتمرات مركز اللقاء في بيت لحم، وعرفته من قبل لفترة قصيرة أثناء مسيرة السينودس للكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة قبل عقد ونصف من الزمان. عرفته ولم أعرفه، واكتشفت أثناء التحضير للأمسية ولعرافتها حيث شرفني مركز اللقاء بهذه المهمة مع الأخت المحامية بادرة خوري- خورية. وعدت الى كتبه والى سيرته واكتشفت مدى أهمية وسمو هذه الشخصية التي لم ننتبه لها بما فيه الكفاية منذ أن عاد الى أرض الوطن (وحسبته لفترة أنه لبناني)، عام 1998 ليرأس أبرشية الروم الكاثوليك.
عرف عن المطران بطرس وكما روى سلفه المطران الياس شقور التزامه الصمت في أغلب الأحيان وفي المواقف الحرجة، مما كان يثير أعصاب من حوله بهدوئه وأناته. وهذا ما اشار اليه أيضا قدس الأب عطالله مخولي قائلا له على لسان جوليان " اني أستمع اليك بمزيد من الانتباه لأن ما تقوله آت من الصمت". كم هو جميل ذلك الصمت المعبر، الذي يحمل في طياته الكثير من الكلام والذي يفوق غالبا الكلام بصدقه وعمقه.
وفي نهاية كلمته فاجأ سيادة المطران الجمهور، وبعد هذا العمر الطويل وبعد الشهادات التي قدمت فيه، باعلان رسالته لهم في تلك الأمسية " رسالتي لكم أن لا نصمت بعد اليوم". وتوجه الى الدكتور جريس سعد خوري، مدير مركز اللقاء واعدا اياه بانه سيسمع منه في المستقبل أيضا، وخلال مؤتمرات اللقاء، النقد والنقد الحاد بشكل خاص، طالبا من الجميع عدم الصمت بتاتا عما يجري من موبقات في شرقنا ومن جرائم بحق الانسانية من بشر وحجر وثمر وحضارة متكاملة وتراث عريق، على يد عصابات اجرامية فاقت التتار والمغول بتعصبها وجهلها وحقدها. ولا يسعني الا الترحيب بهذه الانتفاضة الفكرية الجديدة عند صاحب السيادة بطرس المعلم، والتي أراها أشبه بانتفاضة معلمه السيد المسيح –له المجد- في الهيكل على الباعة والصيارفة الذين حولوا بيت الله الى بيت لصوص، وصحبت صرخته تلك انتفاضة قلب فيها الطاولات والمقاعد على رؤوسهم، فانهزم الشر والخداع والاحتيال، أمام انتفاضة الخير والتواضع والقداسة.
نعم، نحن نحتاج اليوم الى انتفاضة فكرية شجاعة، تتصدى للفكر الرجعي، التكفيري، الظلامي، والذي يجد له بذورا في كل بقعة وحيث نظن أنها بعيدة، لكنها موجودة في داخلنا وبيننا، ويجب مقاومتها بالفكر والرأي. وعلى كل انسان عاقل أن ينتفض ويعلن رأيه اليوم قبل الغد وقبل أن يؤكل مثل الثور الأبيض. هي دعوة من انسان حكيم مجرب واعظ، وعلينا ألا نترك صرخته يتردد صداها بين جدران القاعات، بل لنفتح لها الأبواب والقلوب، ولتنتشر في الحقول والجبال والوديان، في الحارات والشوارع والميادين، في البيوت والمدارس والمعابد.
[email protected]
أضف تعليق