هذا اليوم الجمعة الفضيل، السابع عشر من أبريل 2015، يصادف يوم الأسير الفلسطيني الذي أقره المجلس الوطني، يوماً وطنياً سنوياً يخصص للأسرى ويحتفي بهم، ويذكر الفلسطيني وكل الناس في أصقاع الأرض بنضالات ومعاناة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الذكرى السنوية المهمة التي يحييها كل الفلسطينيين في الداخل والشتات، يأملون تكرارها بعد تبييض سجون الاحتلال من كل الأسرى الفلسطينيين، الذين يزيد عددهم حتى يومنا هذا على 6500 أسير، بينما العداد الإسرائيلي لا يتوقف ولا يتورع عن الزج بأسرى جدد إلى زنازينه المختلفة.
الإحصائيات الفلسطينية الصادرة عن هيئة شؤون الأسرى، تقول إن حوالي 850 ألف مواطن اعتقلوا في سجون الاحتلال منذ العام 1967 وحتى نيسان الجاري، بينهم 15 ألف فلسطينية وعشرات الآلاف من الأطفال، وهذا رقم ضخم جداً قياساً بعدد الفلسطينيين في الداخل.
ما يلفت الانتباه هنا أن إسرائيل بسياساتها العنصرية، وضعت الفلسطينيين في قفصين، واحد بجغرافية محددة وفيها يمكن للفلسطيني التحرك على أرضه، لكنه يعرف كل الوقت أن يد الاحتلال طويلة وقادرة على أسره، والزنزانة الصغيرة التي ذاق ويلاتها كل من مارس ولم يمارس الفعل النضالي ومقاومة الاحتلال.
يقصد من هذا الحديث، أن الفلسطينيين الآن يعيشون في سجن كبير، تحدد عبر اتفاق أوسلو عام 1993، ومن ثم بدأ يضيق ويزيد ضيقاً في الضفة الغربية والقدس المحتلة تحديداً، وحتى في قطاع غزة، يعيش الناس بين جدران، البحر من الغرب، والأسيجة والجدران الإسرائيلية تحوطهم من كل مكان.
حين يبني الاحتلال الصهيوني جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، فإنه يفعل مهمتين، الأولى تتصل بفصل الناس عن بعضهم البعض وابتلاع أراضيهم وممتلكاتهم، والثانية مرتبطة بالأولى حيث لا يمكن لأحد التحرك إلى مناطق الضفة المختلفة إلا عبر الحواجز الإسرائيلية وتحت سلطة الاحتلال.
لا يمكن إجراء مقاربة بين السجن الكبير الذي تحدد بالجغرافيا الفلسطينية وعبر الأدوات الإسرائيلية، والسجن الصغير الذي يضيق ذرعاً بالأسرى حين يكونون تحت رحمة السجان الإسرائيلي، وأسرى لسياسات قمعية تطال أبسط حقوقهم التي كفلتها القوانين والمعاهدات الدولية.
المعادلة مختلفة تماماً، لكن الفارق أن إسرائيل حين تريد ملء سجونها الصغيرة فإنها تحصل على ما تريد من الخزان البشري المتمثل بالسجن الكبير، وبالتالي بكل يسر وسهولة يمكنها أسر من تريد من الفلسطينيين، سواء في أعلى هرم السلطة أو على رأس التنظيمات الفلسطينية، أو في القاعدة الشعبية الممتدة.
وحين تأسر فلسطينيين من سجن الضفة أو قطاع غزة، فإنها تقوم بذلك؛ لأنها تدرك أن لا القيادة الفلسطينية ولا الشعب الفلسطيني سيساوم على أغلى ما يملكه، وبالتالي تظل ورقة الأسرى وهذا الملف المهم، بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة لإسرائيل.
المفاوضات الأخيرة التي جرت بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وبوساطة أميركية توقفت بسبب امتناع حكومة بنيامين نتنياهو عن الإيفاء بالإفراج عن الدفعة الرابعة من باقي الأسرى، الذين بلغ إجمالي عددهم حوالي 110 أسرى فلسطينيين.
هذا هو السبب الرئيس لتوقف المفاوضات، وهو يقدم دليلاً قوياً على أن السلطة الفلسطينية تعطي اهتماماً كبيراً لملف الأسرى الذي يشكل عصب القضية الفلسطينية ومركزها، ولذلك حين تعتقل إسرائيل عدداً من القيادات الفلسطينية وغيرهم من عموم الناس، فإنها تفعل ذلك حتى تفاوض عليهم وتحصل على البديل الذي يرضيها.
إسرائيل ليس لديها كبير، ففي القتل والتدمير تطاولت على المسؤول والشيخ والصغير، وفي الأسر أيضاً الكل الفلسطيني ضحية هذه السياسة الصهيونية العنصرية، إذ تفيد الإحصائيات أن أكثر من 85 ألف فلسطيني اعتقلوا منذ انتفاضة الأقصى الثانية في 28 أيلول 2000 إلى الآن.
من ذلك العدد تم اعتقال ما يزيد على 10000 طفل تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة، و1200 امرأة وعشرات النواب والقيادات الفلسطينية، إلى جانب آلاف قرارات الاعتقال الإداري التي هدفها تخويف الفلسطينيين واعتبارهم جميعاً في مرمى اليد الإسرائيلية.
هذا عن عدد الأسرى المعتقلين والذين جرى اعتقالهم في السجون والزنازين الصغيرة، أما في قطاع غزة والضفة الغربية، في هذين السجنين الكبيرين، هناك حوالي أقل من 4 ملايين فلسطيني لا يمارسون حياتهم الطبيعية بالشكل المطلوب.
إسرائيل التي سيجت الأراضي الفلسطينية بالجدران والجنود والحواجز، لا تريد للفلسطيني أن يعيش بحرية وأمن، بل تؤكد له كل يوم أنه قابع تحت الاحتلال الإسرائيلي وأن حقوقه مهضومة وحركته مقيدة طالما أراد الاحتلال ذلك.
إسرائيل بدون إعادة احتلال الضفة أو الاعتداء على غزة، يمكنها أن تسيّر دورياتها وجيباتها العسكرية لأسر أي شخص كان، فإذا لم تعجز عن أسر القيادي وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي وأسر أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخلالها أسرت الرئيس الشهيد ياسر عرفات، فهل ستعجز عن أسر الرئيس محمود عباس إذا أرادت ذلك؟
الشعب الفلسطيني كله أسير لدى إسرائيل، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية وحتى فلسطينيو 1948 في الداخل، جميعهم ضحية للإسرائيلي الذي يمارس مهنته اللاأخلاقية في الأسر، اللهم أن هدفه إخافة وتركيع الشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون الأسرى أغلى ما نملك، وهؤلاء الذين يقبعون الآن في سجون الاحتلال، سجلوا بنضالهم وتلاحمهم ووحدتهم الوطنية وصبرهم على كل أنواع الأسر، ملحمة وطنية ينبغي الاهتداء بها؛ خصوصاً وأن الحركة الأسيرة التي يفترض أن تركز على شؤونها وأوضاعها، كانت أول من تداعى لتقديم وثيقة سميت بوثيقة الأسرى (الوفاق الوطني) لتوحيد الشعب الفلسطيني قبل حوالي تسعة أعوام من الآن.
الحركة الأسيرة قدمت الشهداء من الجنسين، وضحت بأغلى ما تملك فداءً للوطن ومن أجل صون القضية الفلسطينية، ومن المخجل بالفعل أن تمر هذه الذكرى السنوية الغالية على قلوب الجميع، بينما هناك قيادتان وجغرافيتان وكل منهما تغني على ليلاها.
المسؤولية والواجب الوطني، تستدعيان لملمة الصفوف وشحذ الهمم؛ من أجل العودة عن مسار الانقسام الكافر والملعون، فليس من المعقول أو المنطقي أن تناضل الحركة الأسيرة بشحمها ولحمها ضد الاحتلال، بينما تذهب ريحنا في زيادة تقسيم المقسم والاحتلال يصول ويجول بين السجون.
[email protected]
أضف تعليق