شهد عيد الفصح العبري في العام الماضي أحداثا عنيفة، اقتحم خلالها مئات العناصر من قوات الاحتلال المسجد الأقصى، وأطلقوا الرصاص المطاطي وقنابل الغاز والصوت على المصلين العزّل من المسنين والنساء والأطفال. عدا عن نصب الحواجز العسكرية على مداخله، وتحديد أعمار من سمح لهم بالدخول؛ من أجل إتاحة اقتحامات المستوطنين للمسجد، والاحتفال بعيدهم في رحابه.

وأتت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي هذه بنتائج عكسية لما رجاه حينها؛ فقد توافد المئات من القدس والداخل الفلسطيني الى المسجد الأقصى، واعتكف البعض في مصلياته والبعض الأخر رابطوا عند أبوابه يوميا، ما أرغم الاحتلال على إغلاق باب المغاربة عدة مرات، وعدم سماحه للمستوطنين اقتحام المسجد، حفاظاً على أمنهم.

وفي ظل انتقاد العدو والصديق لهذه المشاهد المجحفة بحق المسلمين في المسجد الأقصى، (ونشدّد هنا على أنه انتقاد لم يرتق لصعيد الاستنكار)، وفشل الاحتلال الاسرائيلي في توفير "مناخ آمن" للمقتحمين في المسجد الأقصى؛ فقد اختارت قوات الاحتلال في عيد الفصح العبري الحالي، أسلوبا مغايراً عن العام الماضي، أملاً في إتاحة اقتحامات المستوطنين بأعداد أكبر دون معيق، ودون إثارة ضجة.

لكن ما حصل على أرض الواقع هذا الأسبوع كان مخيباً لآمال قوات الاحتلال الإسرائيلي والجهات السياسية، الذي أشار لسان حالها إفلاس خططها بناء على قاعدة: أنت تريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد.

في السطور التالية، سنعرض بعضاً من الإجراءات التي تعاونت منظمات الهيكل وقوات الاحتلال على تطبيقها لـ "إنجاح" عيد الفصح العبري، وفرض الوجود اليهودي على واقع المسجد الأقصى المبارك. وفي المقابل، نُبيّن ثبات الفلسطينيين على حقهم الخالص في المسجد الأقصى المبارك، رغم الإجراءات التعسفية للاحتلال الإسرائيلي، وضغائن منظمات الهيكل.

الحقل النفسي ومعركة الوعي

"أنتم مطالبون بإخلاء "جبل الهيكل" حتى تاريخ 2.4 الساعة السابعة مساء، بسبب أعمال بناء المعبد وتجديد القرابين والتضحية بقربان الفصح. نشكركم على تعاونكم - الشعب اليهودي". كان هذا نص منشورات ألصقها أعضاء حركة "عائدون الى الجبل" على أبواب المسجد الأقصى المبارك وجدران البلدة القديمة في القدس المحتلة، مطلع أسبوع عيد الفصح العبري الذي حلّ السبت الماضي.

في حين تقدّم عدد من نشطاء الهيكل بطلب من قوات الاحتلال، عممته وسائل إعلام عبرية، لتقديم قرابين الفصح العبري في المسجد الأقصى. كما قام نحو ألف ناشط بتدريبات افتراضية لتقديم قربان الفصح قبل إجرائه داخل أسوار المسجد، حسب ادعاءات حاخاماتهم.

وانتشرت في الآونة الأخيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تصوّر احتراق قبة الصخرة بعد إصابتها بصواريخ إسرائيلية، وبناء معبد يهودي على أنقاضها.

أما قوات الاحتلال فقد برعت في اختيار صورة لأحد عناصرها يقف وقبة الصخرة تطل من خلفه؛ أسفل منشورة على صفحتها الرسمية في الفيسبوك، لتطمئن المحتفلين في عيد الفصح العبري إتمام الاستعدادات الأمنية لهذه المناسبة.

وتهدف هذه "الإبداعات" في الدرجة الأولى الى إدخال اليأس في نفوس المسلمين، وإحباطهم وثنيهم عن محاولة تغيير الواقع الذي تريده منظمات الهيكل، والمؤسسة الإسرائيلية من ورائها.

العنصر الميداني وتفريغ المسجد الأقصى

اعتقلت قوات الاحتلال بضعة أيام قبل حلول عيد الفصح العبري نحو 40 مقدسياً بعد مداهمة منازلهم ليلا. ووجّهت لهم تهماً بإطلاق الألعاب النارية على قوات الاحتلال والمستوطنين، أثناء اقتحامهم المسجد الأقصى العام الماضي. وجاء هذا الاجراء لتبرير أوامر إبعادهم عن المسجد الأقصى الى حين انتهاء عيد الفصح العبري الحالي، فيما تم إبعاد 40 مصلياً أخراً عن المسجد الأقصى، غالبيتهم من النساء، أثناء تواجدهم فيه الشهر الماضي.

وفي السياق ذاته، قام عناصر المخابرات قبل ثلاثة أسابيع باحتجاز حافلات أقلّت مصلين من الداخل الفلسطيني، لدى عودتهم من المسجد الأقصى المبارك. وطالبوا جميع الركاب بتسليم بطاقاتهم الشخصية والاستفسار عن سبب مجيئهم؛ في رسالة مبطنة الى أصحاب الحافلات والمصلين أنفسهم، بعدم العودة مجدداً، كي لا يواجهوا المتاعب والمساءلة.

ولم تكتف الأجهزة الأمنية بذلك. فقد قامت سلطات الاحتلال قبل حلول عيد الفصح العبري بأربعة أيام، بهدم منشأة سكنية تابعة للمقدسي شريف عمرو؛ يستخدمها المصلون من الداخل الفلسطيني كمتوضأ، إضافة الى ركن الحافلات التي تقلّهم بمحاذاتها.

العمل في الخفاء

على صعيد التعاون والتنسيق بين قوات الاحتلال ومنظمات الهيكل، أوصى الاحتلال لنشطاء الهيكل بعدم نشر دعوات لاقتحام المسجد في فترة العيد على صفحات الفيسبوك ووسائل الاعلام، والعمل بدل ذلك ميدانيا وفي الدوائر المغلقة. وعلّل الاحتلال إجراءه هذا بالحفاظ على الهدوء، وعدم توتير الأوضاع في المسجد الأقصى.

الا أن الحقيقة شيء وما يُعلن عنه الاحتلال شيء أخر كلياً. فهناك سببان رئيسيان وراء هذه التوصية؛ الأول تفادي الانتقادات الموجهة للأجهزة الأمنية في سلطات الاحتلال ومنظمات الهيكل، حول مسؤوليتهم المباشرة عن تأجيج الأوضاع، لما تتضمنه هذه الدعوات من حقد وكراهية فاقت حدود العنصرية، وتوفير قوات الاحتلال الحماية لهم. والثاني طمأنة المسلمين بأن المسجد الأقصى خارج دائرة الاستهداف، وفي التالي لا حاجة للتوافد اليه وحمايته.

إذاً.. كيف مرّ عيد الفصح العبري هذا الاسبوع على المسجد الأقصى؟

بعد فشل مخطط قوات الاحتلال في المسجد الأقصى أثناء عيد الفصح العبري العام الماضي، ظنّ الاحتلال أن "الإجراءات الاستباقية" لعيد الفصح هذا العام، كفيلة بتوفير مسارات اقتحام "آمنة" للمستوطنين، وردع المسلمين عن إحيائه وحمايته. لهذا لم تحدّد قوات الاحتلال جيل المسلمين الذين أرادوا دخول المسجد الأقصى، كما لم تستخدم القوة المفرطة.. حتى الآن.

"لن تركع أمة قائدها محمد"

رغم عدم توجيه دعوات عامة لإحياء المسجد الأقصى وحمايته من مخططات الاحتلال ومنظمات الهيكل في عيد الفصح العبري، فإن أعداد المسلمين فيه لم تنخفض، وإنما كانت فوق معدّلها اليومي. ومع اقتحام أولى الجماعات اليهودية صباح كل يوم من ناحية باب المغاربة، قام المصلون بتنظيم مسيرات طافت رحاب المسجد الأقصى، واعترضت مسارات اقتحام المستوطنين الذين حاولوا مراراً دون نجاح، أداء شعائر وطقوس توراتية.

ولم تخلُ هذه المسيرات من التكبير والتهليل أثناء سيرها، فيما طغى عليها شعار "لن تركع أمة قائدها محمد"؛ ردّده المصلون في وجه المقتحمين حتى طردهم خارج أسوار المسجد الأقصى المبارك.

"مسار الفرار"

في ظل احتشاد المصلين اليومي وانتشارهم في رحاب المسجد الأقصى المبارك، لم يتبق للمستوطنين إلا اتخاذ مسلك سُمّي بـ "مسار الفرار" - وهو الطريق الواصل بين باب المغاربة وباب السلسلة. ففي حين كان المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك من ناحية باب المغاربة، ويجولون في رحابه حتى وصولهم السور الشرقي، والالتفاف من الناحية الشمالية ثم العودة من السور الغربي والخروج من باب السلسلة؛ اضطر المستوطنون الى اقتحام المسجد الأقصى من باب المغاربة، والخروج فوراً من باب السلسلة في بضعة دقائق.

"هاشتاغ ‫#‏مجعلك يتصدر صفحات الفيسبوك مجدداً"

نشرت وكالة كيوبرس الإعلامية - الاثنين الماضي - فيديو لضابط أمن الاحتلال في المسجد الأقصى، وهو يهدّد أحد المصلين صباح ذات اليوم، بعدم نعت شرطي يخدم تحت إمرته بالـ "مجعلك". وفور انتشار الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي تهافتت التعليقات الساخرة من تصرف الضابط "الصبياني" ، فيما تساءل البعض كيف استطاعت قوات الاحتلال هذه فرض سيطرتها في المسجد الأقصى واحتلاله.

ونشر المئات الفيديو على صفحاتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة الفيسبوك، مع إرفاق هاشتاغ #مجعلك.

ويعود أصل هذا الهاشتاغ الى قيام قوات الاحتلال الشهر الماضي بإبعاد فتاة مقدسية 30 يوما عن المسجد الأقصى، بادعاء وصفها أحد أفراد شرطة الاحتلال بـ #مجعلك على صفحتها الشخصية في الفيسبوك.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]