هي مأساة تراجيدية بكل معنى الكلمة يعيشها المشهد السياسي الفرنسي والتي تدور أطوارها داخل عائلة اليمين المتطرف بين زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" مارين لوبين ومؤسس الحزب والدها جان ماري لوبين.
الفتيل الذي أطلق الأزمة كانت تصريحات الأب لإذاعة فرنسية أكد فيها من جديد على قناعته بأن غرف الغاز في الحرب العالمية تفصيلا في تاريخها. جاء هذا التصريح بمثابة الزيت على النار الذي أشعل الجدل وهز كيان الحزب.
في الماضي كان مؤسس الجبهة الوطنية جان ماري لوبين يتفنن في مواقفه الاستفزازية اتجاه عدة قضايا حساسة مثل المحرقة اليهودية والتاريخ الاستعماري لفرنسا وقضايا الهجرة، و كان هدفه واضح المعالم. أن يستقطب لحزبه تغطية إعلامية كثيفة تساهم في توسيع قاعدته الانتخابية وقد نجح في هذا الهدف لدرجة أخرج الحزب من خانته الضيقة ليمين متطرف لا ثأثير حقيقي له على الساحة السياسة إلى قوة تؤخذ بعين الاعتبار ويحسب لها ألف حساب.
وقد جسد وصول جان ماري لوبين إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية لعام ألفين وأثنين بعد هزيمة الاشتراكي ليونيل جوسبان هذا التحول الثمين.
ولكن فور تسليم مقاليد الحزب إلى ابنته مارين لوبين في إطار عملية ثوريث سياسي غير مسبوقة، بدأت "الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبين منعطفا حاولت من خلاله الخروج من دائرة الشيطنة التي وضعت فيها لسنوات طويلة.
وكان مشروع مارين لوبين أن تجعل من الجبهِة حزبا عاديا وأن تخرجه من أدوار البعبع الذي يخيف الناخب ويجعله يفقد ثقته في قدرته على تبوأ مناصب الحكم والإدارة.
ومن بين أهم الخطوات التي اتخذتها للتوصل إلى هذا الهدف التنصل من بعض المواقف المعادية للسامية التي حولها أبوها إلى تجارة رابحة واتخاذ مواقف أقل عنصرية اتجاه الأقليات.
أما الخيار السياسي الثاني فتجسد في فتح قيادة الحزب أمام فعاليات جديدة يتناقض مسارها ووضعها مع قناعات الحزب و ثوابته السياسية فالرجل الثاني في الجبهة فلورايان فليبو من مثليي الجنس ذو توجهات ديغولية.
و قد جاءت الاختراقات الانتخابية التي حققتها الجبهة في الاقتراعات الأخيرة الأوروبية والمناطقية لتفتح شهية مارين لوبين في الوصول إلى سدة الحكم إقليميا أو وطنيا و تبين أن المواقف التي يعبر عنها لوبين الأب تقف جحر عثرة أمام تحقيق هذه الأهداف ومن ثم القرار السياسي بعزله وإخراجه من المشهد السياسي و قتله رمزيا وسياسيا.
وينتظر المراقبون أن تتمخض عن هذه العملية صراعات سياسية داخل الجبهة قادرة على قلب موازين القوة فيها وإعادة هيكلية المشهد السياسي الفرنسي بكامله.
وهو يتلقى الضربات من ابنته يسهل على المراقبين أن يتخيلوا جان ماري لوبين وهو يصدح في وجه مارين "علمتها الرماية كل يوم فلما اشتد ساعدها رمتني" ...
[email protected]
أضف تعليق