أقدمت السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن على مغامرة غير محسوبة، فقد فاجأت مجموعة الدول التي شاركت معها في الحرب عليها لاحقاً، ومنها مصر التي تتضرر بشكل مباشر من خلال سيطرة "أنصار الله" على باب المندب على البحر الأحمر، والتي لم تكن مرتاحة لتفرُّد السعودية بقرار الحرب على اليمن، وقد ألمح إلى ذلك محمد حسنين هيكل بقوله إنه كان من المفيد أن تتشاور السعودية مع مصر قبل قرارها بالحرب، ومع ذلك فقد دعا السيسي الرؤساء العرب في اجتماع القمة العربية في شرم الشيخ إلى تشكيل قوة عربية مشتركة للدفاع عن أمن المنطقة.
وافقت أميركا على هذه الحرب التي لم تكن من ضمن برنامجها، نتيجة إصرار السعودية عليها، ولشعورها بالخطر الداهم من جراء سيطرة الحوثيين على اليمن؛ ذات الاشتراك الحدودي مع السعودية، ولسيطرتهم على باب المندب؛ الشريان الحيوي للتجارة العالمية، والتي تصل نسبتها فيه إلى 15%، ولناقلات النفط التي تقدَّر ب 6% من إنتاج النفط العالمي، ولأن السعودية تعتبر أن هذه السيطرة ما هي إلا تمدد للنفوذ الإيراني في اليمن على حساب نفوذها فيه، وهي لم تستوعب بعد خسارتها في سورية والعراق.
أرادت السعودية من هذه الحرب تحقيق مجموعة من الأهداف:
♦ العمل على استعادة نفوذها في اليمن، والذي دام عقوداً من الزمن، بعد أن خرج عن السيطرة.
♦ استعادة زمام المبادرة في قيادة المنطقة بالتفرد بقرار الحرب ضد اليمن، وبتشكيل قوة عربية مشتركة لضرب كل من يفكّر في الخروج على سلطة السعودية وطاعتها، لتكريس "الحلف السُّني" الإقليمي الذي يريده الملك سلمان في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
♦ التخوُّف من التفاهم الإيراني - الأميركي حول الملف النووي، والذي سيُرخي بظلاله الإيجابية على أزمات المنطقة كافة، والذي سيعزز من النفوذ الإيراني فيها، ويضعف من دور السعودية.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع السعودية أن تحقق هذه الأهداف من خلال حربها على اليمن؟ وهل تستطيع أن تنتصر على الحوثيين الذين أصبحوا قوة لا يمكن الاستهانة بها، بعد أن خسرت السعودية في حروبها السابقة معهم، وهي الآن في وضع أضعف؟ وهل الضربات الجوية وحدها تكفي لتحقيق الانتصار، أم أنها خطوة لا بد من استكمالها بالدخول البري، وبدعم من القوة العربية المشتركة، إلى عدن لطرد الحوثيين منها، وتركيز حكم هادي فيها، ومن ثم الانطلاق إلى المناطق الأخرى؟ وما هي خطة الحوثيين لمواجهة هذه الحرب القاسية؟
مصادر مطلعة تقول إن خطة الحوثيين في مواجهة هذه الحرب تعتمد على المراحل الآتية:
المرحلة الأولى: السيطرة على المناطق الاستراتيجية التي ما تزال خارج سلطتهم، على الرغم من الغارات الجوية التي أدّت إلى قتل المدنيين وضرب البنى التحتية والمراكز العسكرية.
المرحلة الثانية: الدفاع عن النفس بالقدر الذي لا يُخرج الأمور عن دائرة الضبط والتحكم بمسار هذه المرحلة.
المرحلة الثالثة: العمل على وقف هذه الحرب، والتركيز على الحل السياسي من خلال العودة إلى طاولة الحوار.
إذا أصرّت السعودية على الاستمرار في الحرب في اليمن، وسعت إلى حرف الصراع عن وجهته الحقيقية، بمحاولة إدخال الشعب اليمني في آتون الفتنة المذهبية لتشتيت وحدتهم لكسب المعركة، فإنها بذلك تكون قد أدخلت نفسها في حرب استنزاف قد لا تستطيع تحمّلها، وعرّضت اقتصادها للاهتزاز وأمنها للخطر، لأن الشعب اليمني لديه الجهوزية الكاملة لمواجهة هذا الاحتلال، وإن تطلّبت المعركة منه وقتاً طويلاً، ومن يقرأ تاريخه يدرك أنه شعبه مستضعَف، لكنه مقاوم لا يقبل الذل والهوان؛ يدافع عن أرضه وشعبه، وهو مستعدّ لتقديم التضحيات الجسام.
[email protected]
أضف تعليق