وُلِدَ الطفل يسوع في بيت لحم، ويَعلَم أن حياته على الأرض سوف تأخذ طابعًا آخر تَفوقُ طبيعتنا البشريّة، ليُتمّم نبوءة موته على الصليب، فيغفر ذنوبنا، لنُقرّب بعض القلوب المتنافرة عائليًا والمتناحرة عقائديًا والمتضاربة فكريًا. قال الرّب: "ستأتي السّاعة التي يُسلَّم فيها ابن الإنسان إلى أيدي الخطأة"، هكذا تنبّأ موته على الصّليب، هذا يدل على أن عملية موته على الصليب، لم تكن من أجلنا فقط، بل ليُمهّد لنا طريق الخلاص، لننال الحياة الأبديّة، فهو لن يغفر معاصينا، إذا لم نمنحه ضمانًا روحيًا، وهو إيماننا الشّديد بأبيه السّماوي.
درب الآلام التي مشاها يسوع المسيح، وهو حامل صليبه، يجب أن تكون قدوةً لنا، من أجل أن نشعر في أعماقنا أنّ عزيمتنا وإصرارنا سوف يمشيان معًا خطوةً بخطوة مراحل التضحية المؤلمة في سبيل من نُحب، لننال بركة الرب طوال الأيّام، لأن التضحية هي حبل النّجاة التي ستنشل الإنسان من بئر التوجس والتردّد، لئلاّ يتوانى لحظةً عن إسعاف الآخرين في أوج ضيقهم، لأن التضحيّة كانت سِمَة من سمات القيامة المجيدة، وإنّي أستذكر أهم مراحل حياة السّيد المسيح على الأرض وآمل أن يفهم الناس مضامينها.
ولادة السّيد المسيح: ولادته كانت مميّزة جدًا، على الرغم من تواضعها، لكنّه استطاع أن يزرع أجنّة البراءة والوداعة في قلوب بني البشر... استطاع يُقدّم للعالم أرحام المحبّة والسّلام، لنُنمّي بداخلها شيء اسمه السِّلم النّفسي قبل السِّلم الأهلي، حتّى تكبُر مع عقليتنا المتخلّفة، لتنسجم مع عقولنا المنجرفة وراء نزوات طائفية مُغرضة، كي نبشّر ضمائرنا، أنّ محفل أخلاقنا وتصرّفاتنا وشيمنا، موجودون في مغارة البلد الواحد، لنحافظ على سلامته ووحدته.
حياته على الأرض: قال الرّب يسوع: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكُم"، بهذه الجملة، لخّص لنا مُجمل حياته على الأرض، التي كرّسها لشفاء المرضى من أسقامهم، ولمساعدة المعوزين، فمنحهم حياةً أفضل، لذا يجب أن نتمثّل بطريقة حياته، يعني يجب أن نشفي أنفسنا من آفات العصر المجتمعية، فمنها: مرض فقدان مناعة احترام كبار السّن!!، مرض صمم سماع الرأي الآخر!، مرَض انسداد أوردة الانفتاح الطائفي، التي تُنعش وتقوّي أواصر التعايش المشترك في هذا البلد الحبيب!!، لذلك إذا ابتعدنا عن هذه الآفات، سنكون مرتاحين من هذه الأثقال التي وضعناها على عاتقنا وعاتق أبنائنا.
موته على الصّليب: هنا التحوّل الكبير في حياتنا، عندما قال لصالبيه: "اغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يدرون ما يفعلون"، بمعنى أن الرّب وهو يتألّم ويلفظ أنفاسه الأخيرة، طلب من أبيه أن يسامحهم، هذه المرحلة من حياته، كانت أوج مسيرته، كذلك الأمر نحن، فعندما تتأزّم مشاكلنا العائليّة تحديدًا، ويصل التفاهم إلى طريق مسدود، نتصرّف بتهوّر، فساعتئذ لا مجال أمامنا إلاّ أن نتعقّل، لأنّ نفوس البشر مُشبعة باللؤم، ولا بُد أن نسامحهم، ولو في الرّمق الأخير من حياتنا، كي نُظهر لهم مدى عجزهم وضعف إرادتهم بالكلام الرّصين، الذي هو فخر الإنسان العاقل. هذه هي أرقى درجات الرّفعة الأخلاقية التي يمكن أن يصلها الإنسان.
قيامته من بين الأموات: عندما تنبّأ الرّب بقيامته قال للكهنة: "أستطيع أن أنقض هذا الهيكل، وأبنيه في ثلاثة أيّام"، هذا القول يُجسّد عمليًا حياته بعد القيامة، وأنّه سيقوم في اليوم الثّالث، لذلك علينا أن ندع ضمائرنا الميْتة، تقوم من بين ركام التقوقع والرّجاسة، ليفيض عليها نور المحبّة والبشاشة من جهة، ومن جهة أخرى لنُميت فينا نزعة الأنا والأنانيّة، كي نتذكّر قول المسيح عندما صعد إلى السّماء: "ها أنا معكم طوال الأيّام وإلى انقضاء الدّهر آمين"، لأن فيه دلالة قويّة على أنه معنا في كل حين، إلاّ أنّنا ما زلنا نتجاهله، لانهماك البعض في توجيه مرصاد نيّته نحو مزيد من المكائد.
"هذا هو اليوم الذي صنعه الرّب فلنفرح ولنتهلّل به"
[email protected]
أضف تعليق