خميس الأسرار هو قلب الأسبوع العظيم، فيه تعيش الكنيسة العشاء الفصحيّ الأخير السرّي، وفي هذا اليوم يكرّس غبطة البطريرك الميرون وزيت العماد وزيت المسحة، لتوزّع على كلّ الأبرشيات والكنائس.
وهناك تقليد في الكنيسة يقضي بغسل أقدام اثني عشر شخصاً يرمزون إلى رسل المسيح. أمّا زيارة السبع كنائس فهي ترمز إلى تمام الأسرار السبعة: سرّ الكهنوت، سرّ القربان، الزيت المبارك، سرّ العماد، التثبيت، المسحة، وسرّ الخدمة.
خميس الأسرار يسمّى بذلك لأنّ الربّ يسوع أسّس فيه سرَّي القربان والكهنوت. هذا كلّه جرى في عشائه الفصحيّ الأخير الذي بدأ معه الفصح الجديد، وعهد خلاص المسيح. حول المائدة جلس يسوع مع الرسل، وأقام قدّاسه التأسيسيّ، فحوّل خبز المائدة إلى جسده، والخمر إلى دمه، وقال: "خذوا كلوا منه كلّكم، هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا"، وقال: "خذوا اشربوا منها كلّكم: هذه هي كأس دمي الذي يراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا".
ثمّ جعل يسوع تلاميذه كهنة العهد الجديد، مؤسّسا الكهنوت بقوله: "اصنعوا هذا لذكري". وفي العشاء الفصحيّ الأخير الذي بدأ معه عشاء الفصح الجديد، عبّر يسوع مرّة أخرى عن "محبّته لخاصّته حتى النهاية"، وعن جوهر القربان أنّه "سرّ المحبّة العظمى"، وعن رسالة الكهنوت أنها "خدمة المحبة دون حدود"، فقام وغسل أرجل التلاميذ قبل أن يغسل نفوسهم من خطاياها بدمه المراق للغفران.
بعد الاحتفال بقداس خميس الأسرار ورتبة غسل أرجل التلاميذ، يُصمد القربان لعبادة المؤمنين طوال الليل، فيتذكر المؤمنون نزاع الربّ في بستان الزيتون، حيث تركه تلاميذه واستسلموا للنوم من جرّاء الحزن والتعب والخوف.
أمّا زيارة السبع كنائس في هذه الليلة فترمز إلى تمام الأسرار السبعة، كما ترمز أيضا إلى أنّ العذراء مريم بعد أن علمت باعتقال يسوع، ذهبت تبحث عنه في سبعة أماكن ابتداءً من مكان اعتقاله مرورا بمجلس الكهنة وبيلاطس وهيرودس وبيلاطس من جديد إلى أن وصلت إلى الجلجلة.
نحن نعيش السرّ الفصحيّ من خلال الثلاثية التي يتألّف منها: خميس الأسرار والجمعة العظيمة وسبت النور. ليس هذا السر فقط تذكارا لحدث من الماضي، بل هو واقع حاليّ. فما جرى في الماضي بالشكل الحسّي والمنظور هو إيّاه حاضر فعليّا بالشكل الأسراري. إنه حياة النعمة بالروح القدس. لم يعد الشّر بكلّ أنواعه صاحب الكلمة الأخيرة، بل المسيح، الحب الإلهي النصر النهائي.
أسّس الرب الأفخارستيا والكهنوت، ولأنّ الأفخارستيا هي نبع كلّ الأسرار، وتصنع الكنيسة، ولأنّ الكهنوت يقيم كلّ الأسرار، نقول خميس الأسرار، فكانت عادة السجود أمام القربان طوال الليل وزيارة السّبع كنائس.
[email protected]
أضف تعليق