لم تشكل عنصرية نتانياهو التي تجلت خلال المعركة الانتخابية الاخيرة، ولا اعتذاره للعرب الذي جاء على أثرها مفاجأة لأحد بل على العكس تماماً فعنصرية نتانياهو ليس جديدة، واعتذاره تولد من رحم تحريف الكلام عن مواضعه، وغايته استدراك، وتفادي الوقوع في فخ الحقيقة القائلة ان العنف لا يولد إلا العنف وقياسا على ذلك تصبح العنصرية لا تولد الا التشبث بالهوية الوطنية، والقومية من قبل من تمارس عليهم هذه العنصرية، وممن يستخف بعقولهم بمثل هذا الاعتذار الزائف.

ليس هذا فحسب بل جاء الاعتذار لأن نتانياهو ومن يلف لفه من المتطرفين اليمينين اليهود، ومن عرب الليكود المتصهينون، وأمثالهم الذين لا هم لهم سوى الهث وراء الجاه الزائف، والمال الزائل قد أدركوا ان التاريخ يعيد نفسة، وأن لا جديد تحت الشمس لكن العبرة في الاعتبار، والاتعاظ بهذه الأقوال فمن هنا على العرب في الداخل الفلسطيني الاتعاظ، والاعتبار بما جرى على مدار التاريخ البشري الذي ولد صورتين متناقضين تعكس حال الشعوب المقهورة، والمظلومة التي تعاني من ممارسة العنصرية عليها صباح مساء من قبل الحاكم كحال عرب الداخل تماماً.

فالصورة الأولى تعكس ازدياد تماسك، والتفاف الشعوب المقهورة، والمظلومة حول هويتها الوطنية، والقومية، وتراثها، وثقافاتها، ورموزها القومية، والوطنية، والدينية كلما زاد ظلم، وجبروت جلاديها لها بينما تعكس الصورة الثانية تلاشي هوية الشعوب الوطنية، والقومية، والدينية كما ازداد اندماجها مع المحتل، أو المستعمر الذي وفر لها الظروف الملائمة للانصهار والاندماج حيث تتلاشى هويتها بشكل طردي كلما قل الظلم، والقهر الممارس على هذه الشعوب من هذا المحتل، أو المستعمر وكلما زادت أسباب الانصهار، والاندماج.

الحال في إسرائيل لم يكن يوما ولا زال يبشر بخير من حيث قهر، وظلم حكومات إسرائيل المتعاقبة وخاصة المتأخرة منها، وسعيها إلى إقصاء عرب الداخل، والتنكر لحقوقهم، وممارسة الظلم عليهم بشتى الوسائل، والطرق، وتغيّب هذه الحكومات لأسباب دمج، وانصهار العرب في المجتمع الإسرائيلي كمواطنين متساوين مع المواطنين اليهود لكن الفارق الوحيد الذي أصبح اليوم واضحاً وجلياً هو أن الأحزاب التي ستشكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة لا تخفي عدائها للعرب جهاراً نهاراً لا بل لا تخفي خوفها من العرب حيث تجلى ذلك الخوف في دعوة نتانياهو لليهود للخروج إلى صناديق الاقتراع مخوفاً إياهم بخروج العرب المكثف لصناديق الاقتراع لأمر الذي أتى أكله حقاً، وعدم اكتراث العرب بهذه الدعوة وأمثالها، وبما تردد في الدعايات الانتخابية العنصرية التي اطلقتها الاحزاب اليمينية التي ستشكل الحكومة لاحقا من عداء للعرب، وعنصرية ضدهم إما لان العرب يعتبرون مضمون هذه الدعايات مجرد كلام دعايات فقط، وإما ثقة منهم بأنفسهم في قدرتهم على صد ما سينبثق عن هذه الدعايات لو تحققت، وأصبحت واقعاً وهذا أمر حسن، وجيد أن كان العرب فعلاً يؤمنون بالاعتبار الثاني أي أن لديهم الثقة بأنفسهم على التصدي لعنصرية هذه الأحزاب.

فعلى جميع الاحوال ولد التاريخ البشري صورتين متناقضين تنطبق على الحالة التي يعيشها عرب الداخل في إسرائيل حيث تثبت احداهما أن الظلم، والقهر يبعث على التمسك، والالتفاف حول الحقوق المدنية وحتى القومية، والوطنية تجلت في حالة جنوب أفريقيا حين استمر السود في جنوب أفريقيا في الكفاح، والنضال بالرغم من الابرتهايد الذي مورس عليهم والذي كلما زاد، زاد اصرارهم، وتمسكهم بقضيتهم، وحقوقهم حتى نالوها، وحققوها في نهاية المطاف وأجبروا الظالم على التراجع عن غطرسته وظلمه.

والأخرى حالة اسكتلندا التي يسر البريطانيون من خلالها للشعب الاسكتلندي أسباب الاندماج، والانصهار فندمج الشعب الاسكتلندي مع الشعب البريطاني وفقد استقلاليته وهويته الوطنية بالرغم من وجود ملك لإسكتلندا حيث تجلى ذلك من خلال الانتخابات الأخيرة التي جرت في اسكتلندا حين اختار الشعب الاسكتلندي البقاء مع بريطانيا على الانفصال، وإقامة دولته المستقلة.

ما دامت القوانين الكونية ثابتة لا تتغير لا شك في أن تمادي نتانياهو وزمرته في ظلم العرب وممارسة العنصرية ضدهم ستبحث في نفوسهم طبعاً باستثناء اتباع الليكود وغيره من الاحزاب الصهيونية من العرب المتصهينين التمسك بهويتهم الوطنية، والقومية، والدينية أكثر، فأكثر والتي هي في الحقيقة أغلى بكثير من فتات الحقوق التي ستمنحهم إياها أي حكومة إسرائيلية كانت فيما لو فعلت لأن التعامل معهم لن يختلف عما كان عليه خلال الأعوام التي خلت من عمر إسرائيل وبالتالي يعتبر فوز نتانياهو فوراً للعرب. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]