لماذا تبيعون الناس خطابا وطنيا وتقدمون لهم وعودا بفتات مدني اسرائيلي؟ وهل تستطيعون غير ذلك اصلا؟
ليس صدفة ان شعار الوحدة ضمن القائمة المشتركة للكنيست، هو اكثر الشعارات رواجا بين الشباب العربي وبين أكثر الفئات سخطا على الوضع العربي العام والوضع الفلسطيني الخاص، في بلادنا، وذلك لما لهذا الشعار من وقع على النفس المُحبطة، الباحثة عن خشبة خلاص، والراغبة في الخروج من هذا الوحل العربي وان سمي "ربيعا"، وتتوق للخروج من حالة الانشقاق والتشرذم الفلسطيني المتواصل منذ سنوات، وتخشى من الفتنة الطائفية او غير الطائفية عندنا في الداخل. في ظل هذه النفسية المتلهفة للخلاص، يُؤخذ العرب الى الكنيست الصهيوني مجتمعين لا منفردين، على أمل ان تكون هذه المسيرة الوحدوية الجماعية فاتحة لوحدة أكبر. وفي هذه الأجواء ايضا تُشن الحرب على تيار المقاطعة الوطنية، فتتكرر مقولة "الواقعية" على كل لسان، ويتكرر مطلب "الرغبة في التأثير" على مجريات الحياة السياسية والمدنية، في الكنيست وخارجها.
مثل هذه المقولات ليست جديدة وانما سمعناها مذ كنا شبابا صغارا نقارع اذناب السلطة ومقاولي الأصوات الذين أصروا على غزو قرانا ومدننا العربية وحتى بيوتنا وهم يرددون: "خلينا واقعيين"، و"العين ما بتقابل مخرز" و"شعرة من جلد الخنزير مكسب" وكل العرب هُزموا فماذا نحن فاعلون؟... الخ. ولم يتورع هؤلاء ان يزايدوا على وطنيتنا ايضا ويدعوا انهم انما "يخدمون شعبهم"، وفوق ذلك يتهموننا ب"اصحاب شعارات وطنية فارغة فقط". وكم قالوا لنا: "اذا كنت وطنيا فلماذا تحمل الهوية الاسرائيلية؟" وانهم، إنما يريدون "التأثير من الداخل" اي من داخل الاحزاب الصهيونية.... من يراجع ادبيات الحزب الشيوعي والجبهة، والمقالات الاسبوعية منها بالذات، سيجد عشرات المقالات التي ترد على هؤلاء، ولم نتردد للحظة باتهامهم بالعمالة وأخذ الناس الى الأسرلة البغيضة. ولكن... ماذا حصل في هذه الايام؟ ومن هم الذين يرددون اليوم خطاب "الواقعية" والرغبة في "التأثير من الداخل"؟ ومن هم الذي يقولون لنا: لماذا تتعلمون في جامعاتهم؟ وتتقاضون في محاكمهم؟ الله يرحم ايام زمان!! بالرغم من انقطاع التواصل مع أمتنا العربية، آنذاك، ومع قيادة شعبنا الفلسطيني ايضا، الا انهم فشلوا في ترويض شعبنا هنا، او أسرلتنا، بل عززنا انتماءنا الوطني الفلسطيني ورفضنا ان نكون "عرب اسرائيل". اليوم، من حقنا ان نقول: يا ريت بقينا "مقطوعين من شجرة"!!
فشلت كل محاولات حكام اسرائيل في ترويضنا وفشل كل المستشرقين والمستشارين للشؤون العربية في أسرلتنا، وفشل كل عملاء السلطة ان يقنعونا بانتهاج سياسة "الواقعية" وضرورة العمل "للتأثير من الداخل"، فهل تنجح القائمة المشتركة فيما فشل به الآخرون؟ هل ينجح الوطنيون في تحقيق ما فشل به عملاء السلطة وخبراؤها للشؤون العربية؟ يبدو انهم تعلموا الدرس، وفهموا ان الأسرلة لن تنجح حين تروج لها أدوات سلطوية، اعلامية او سياسية او غيرها، وفهموا انه لا بد ان يحمل هذا المشروع اشخاص وأحزاب عُرفت بتاريخها الوطني. حملوا الراية ووضعوا كل ثقلهم في "النضال" البرلماني او جعلوه مقياسا وحيدا لبقائهم واستمراريتهم، على حساب المؤسسات الوطنية الحزبية او الشعبية.
إننا حقا في مرحلة تاريخية مفصلية، هل نقدم انتماءنا الوطني الفلسطيني على مواطنتنا الاسرائيلية؟ ام اننا "نلتزم بمواطنتنا أولا"، وباسم الواقعية والرغبة في التأثير من الداخل، وحاجة الناس الى تلبية حاجاتها المطلبية، نقدم انتماءنا الوطني قربانا على مذبح حاجاتنا المطلبية المعيشية؟ وهل هي صدفة ان يطالب 62% من المؤيدين للمشاركة في الانتخابات للكنيست الصهيوني، دخول القائمة المشتركة في الحكومة ايضا، بهدف "التأثير من الداخل"؟. لقد اتفقنا على مدار عقود سبقت، على ضرورة الموازنة بين الانتماءات والهويات، فآثرنا ان نقدم انتماءنا الوطني على كل شيء، فهل تغير الزمان؟ لماذا لا تقولون ذلك صراحة؟ لماذا تبيعون الناس خطابا وطنيا وتقدمون لهم فتاتا مدنيا اسرائيليا؟
ليس صدفة ايضا، ان الانظمة العربية الموالية لأمريكا، والمتحالفة مع اسرائيل، تشجع هذه المسيرة التي تمثلها القائمة المشتركة، وان يهود امريكا قد خصصوا ودفعوا 2 مليون دولار لتشجيع ذلك ايضا، وان السلطة الفلسطينية ترعى هذه القائمة المشتركة وتقدم لها كل الدعم الاعلامي والسياسي وغيره، لقد حسموا أمرهم ويريدون منا ان نحسم أمرنا أيضا، لقد تحالفوا مع اسرائيل ويريدوننا غطاءً لمضاجعهم في تل أبيب. فهل تقبل؟
[email protected]
أضف تعليق