من أعماق بحر النغمات الالكترونية المتمثلة برنين الهاتف ورنين وسائطه للتواصل بين البشر، ينتشلني صوتٌ بشريُ عذبٌ ويحلق بي عاليًا عابرًا سنوات من التاريخ انطوت صفحاتها ويحط بي في أحد قصور الأندلس.. وتترائى في مخيلتي حسناء جالسة بين طبقات من ثوب العشق تنظم شعرًا لحبيب غائب وتقول:
أحبك أنت يا أملا كضوء الصبح يلقاني
أمات الحب عشاقا وحبّك أنت أحياني
ولو خيرت في وطن لقلت هواك أوطاني
ولو أنساك يا عمري حنايا القلب تنساني
إذا ما ضعت في دربي ففي عينيك عنواني
لم تترك لي أغنية "في عينيك عنواني"؛ التي تقدم الينا ولاول مرة صوت لامار الرائع؛ المجال للانضباط وعدم المضي في رحلة عبر الزمن، زمنًا من الالحان والكلمات التي تجتهد لتعبر عن عشق مزين بالكثير من الوصف والتضحية حيث يكون الحب بوصلة العاشقين، والشعر سبيلهم واللقاء حالة صلاة.
تبدأ الصورة وتنطلق الموسيقى، وتنساب حركات العازفين مع موسيقاهم وغناء لامار. سلاسة الصورة ووضوح المعنى متناغمان فلا يأخذ أحدهما من حصة الآخر شيئا. فنستمع بدقة الى كل كلمة مغناة، دون ان تشتت الصورة حالة الطرب التي سرعان ما تحتوينا.
ربما ؛ وكأي مستمع عادي؛ لا يمكنني أن ألمس النغمات بتفاصيلها التقنية، لكنها بدورها تمكنت من لمس سمعي فاجتذبته حتى آخر نوتة.. تلك النوتات التي أكتب إسمها فأتخيلها وجوه سمراء باسمة تقفز على رجل واحدة محدثةَ أصوات نحبها..
أغمضت عينيّ علّي أتذوق بشكل أفضل، فما كان مني إلا أن أختبر نفسي متسائلة عن مواقع "عصب" الأغنية المتمثل بكلمات لها تأثير العناق الدافئ في يوم شتوي شديد البرد.. وإبتسمت...
أكرر المشاهدة، وأتلذذ بالاستماع، وأستحضر صورًا من القصص الخيالية التي كانت تروى لي في طفولتي، حيث يجلس السلطان وسط حاشيته، تنطلق الآلات فيسود الصمت. تترنح الرؤوس طربًا، وينجسم الغناء بالعزف فتولد حالة من الخشوع.
صور سلسة بسيطة، كاميرا تنتقل بحرية وهدوء بين العازفين وآلاتهم، كل شيء يجري على طبيعته، دون إبتذال او حدّة، وهناك في البعيد ضوء يخترق الشباك، ينير المكان ويضفي على الاجواء هالة من نور تغازل حالة الخشوع السابق ذكرها..
ويطيب لي أن أكرر الإستماع مرّة تلو المرّة..
[email protected]
أضف تعليق